رغم تنقل د. عبادة كحيلة بين العديد من الموضوعات في كتابه الجديد " ورقات في الزمن الصعب " والصادر عن دار العين للنشر ، إلا أنه يفلح في محاصرة القارىء بجو عام واحد يسيطر عليه من أول الكتاب ، فلا فصلات شعورية ،ولا تنافر بين أنواع القضايا التي يناقشها ، تعوقه في التسلسل المريح بين الفصول .
لدينا مقدمة لا تقتبس من المواضيع الداخلية للكتاب ، وإنما ينفس فيها الكاتب غضبه من أحوال البلد ، بما يجهز فرشة جيدة لبقيةالكتاب . يلضم فيها بين تآكل الطبقة الوسطى وبين التهاون الشعبي ازاء قضية العراق ؛ يتحدث فيها عن الخصخصة وفساد السلطة وتدهور التعليم ، عن حزب الله وعن قضية العبارة ،وينهيها بالحديث عن دور المثقف .
.................................
بين العديد من الموضعات يمضي كاتبنا . أولاها عن ابن خلدون ، ويتوزع الكلام عنه على ثلاثة فصول.حيث يتناول أولها كتاب السيرةالذاتية الخاص به والذي خطه بنفسه تحت اسم " التعريف بابن خلدون ورحلته شرقاً وغرباً " . وفيه يوضح لنا حياته بالتفصيل ، يحكي عن كيفية انتقاله بين الأمصار المختلفة . ويتوقف قليلاً عند زيارته للقاهرة ورأيه فيها وفي أهلها وطبيعة شعبها .
لا يكتفي د. عبادة بذكر موجز للكتاب ، ولكنه يذكر ماله وماعليه ، فيذكر محاسنه ولا يخفي عيوبه التي يرى أن منها أن ملكة الوصف عنده خابية ،كما يأخذ عليه أيضاً ولعه بالاستطرادات التي تعتور السياق بشكل لا يخدمه .
أما الفصل الثاني فيفرده للحديث عن مكانه عبد الرحمن بن خلدون كمؤرخ .فيستفيض في وصف الفترة التي لاذ فيعا بقلعة بني سلامة بالمغرب الأوسط ،حيث انصرف إلى تأليف كتابه الشهير " العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر " وهو الكتاب الذي يعرف اختصاراً ب"تاريخ ابن خلدون " .
ثم يستعرض الجدل المثار حول أسبقيةالكتابة بين كتاب ابن خلدون وبين مقدمته ، ويقدم الشواهد التي تجعل الكفة تميل لصالح الكتاب . حيث كتب المقدمة بعد الانتهاء من الكتاب .
ويحاول د. كحيلة الاجابة عن سؤال طرحه وهو " أين مكان ابن خلدون من علم التاريخ ؟" وذلك وهو متوخي الدقة ،فيعرض ما له ومعليه ،حتى لا يعطيه مكانة لا يسحقها ،وأيضاً حتى لا يبخسه حقه .
أما الفصل الأهم في هذا الصدد فهو الفصل الثالث الذي يعني بمحاولة ايجاد اسقاطات من آراء ابن خلدون على ظواهر وقضايا زماننا وذلك تحت عنوان دال وهو " عبد الرحمن بن خلدون .. حاضر في زماننا" . حيث يتعرض فيه لفكرة ابن خلدون عن أسباب قيام الدول وفنائها . والتي لخصها في :
· فساد السلطان
الذي _علي حد قول ابن خلدون _ يلجأ إلى فرض جبايات غير معتادة على الشعب ،ليصرف على ملذاته ، وهذه الجبابات بدورها تؤدي إلى أن يرفع التجار أسعار سلعهم ، بسبب كثرة "المكوس "المفروضة عليهم ، وذلك حتي يستطيعوا التحايل عليها ،مما يترك أثره على الحالة الاقتصادية للبلاد ، و لا يبذل د. كحيلة جهداً كبيراُ في تبين أوجه التشابه بين ذلك الكلام وبين ما يحدث الآن في مصر .
· تخلي الدولة عن القيام بدورها في تدعيم السلع الأساسية أو الخصخصة
يذكر ابن خلدون أن من أسباب فناء الدول توقف السلطان عن الخصخصة واحتجانه للأموال ،وعدم صرفها في مصارفها ،مما يؤدي لوقوع الكساد ، الذي يترتب على توقف الحركة في الأسواق .
وهنا يذكر د. كحيلة أن ابن خلدون توصل إلى قانون اقتصادي مهم ،ويعتمده الكثير من علماء الاقتصاد ومنهم "كينز " وهو أن " الدولة هي السوق الأعظم أم الأسواق كلها ، وأصلها ومادتها في الدخل والخرج ، فإن كثرت وقلت مصارفها فأجدر بما بعدها من الأسواق أن يلحقها مثل ذلك وأشد منه " .
· اشتغال الحاكم بالتجارة
وما يتبعه ذلك من أن تكون هذه التجارة غير متكافئة الأطراف ، حيث يتفوق الحكام عن غيرهم بالمنصب ، وبأنهم يستطيعون فرض الأسعار على هواهم ،مما يؤدي لتدهور أحوال التجار ،وما يتبعه من قعود الفلاحين عن الفلاحة . وهذا الكلام بالتأكيد له مردود في عصرنا من تزاوج السلطة والمال ،وتقلد العديد من رجال الأعمال للمناصب السياسية مما يؤدي لاحتكار بعض السلع ومنها الأساسية وارتفاع أسعارها .
· تحول المجتمع لمجتمع استهلاكي
وليس من العجب أن نجد ابن خلدون يتكلم عن المجتمع الاستهلاكي الذي يرى أنه نتيجة طبيعية لمثل هذه الأجواء ، حيث تصير القيمة السائدة هي قيمةالبحث عن الربح ، وأحيانا ً الربح بدون إنتاج ،وهو ما ندعوه في عصرنا ب"الريع " ،وهي قيمة لا يوافق عليها ابن خلدون لأن العمل عنده يشكل القيمة أو معظمها فهو يقول ما نصه " إنما المفادات والمكتسبات كلها أو أكثرها هي قيمة الأعمال الإنسانية "وهو هنا يقترب من نظرية كارل ماركس .
· نفاق وتملق حاشية السلطان
وعنئذٍ يكون الافراز الطبيعي لهذا المجتمع ، الذي يسوده الترف ،كما يسوده استقطاب طبقي حاد ،هو أن تكون الوسيلة الوحيدة للصعود هي الخضوع والتملق لأن الناس لا يستطيعون الوصول إلى غاياتهم دونها وبذا يرتفع الكثير من السفلة .
· الانقياد لأمة أخرى أكثر تحضراً
وذلك بأخذ مظاهر حضارتها دون الجوهر . ويضرب ابن خلدون مثالاً على ذلك بمملكة غرناطة التي تشبه أهلها بالجلالقة "الأسبان " فظلت دولتهم في انحدار إلى أن زالت من الوجود .
· أسلمة العلوم
فطن ابن خلدون لهذه الظاهرة قبل غيره من مفكرينا ، وهي ظاهرة تصاحب عصور الانحطاط ،ونشاهد بعض تجلياتها في عصرنا هذا ،فيقول ابن خلدون " وأما العلوم العقلية التي هي طبيعة للإنسان ، من حيث إنه ذو فكر ،فهي غير مختصة بملة ، بل يوجد النظر فيها لأهل الملل كلها ،ويستوفي في مداركها ومباحثها ، وهي موجودة في النوع الإنساني منذ كان عمران الخليقة " .
· هروب الأغنياء من البلد
حيث يهرع البعض من حاشية السلطان وخاصته إلى الهرب فيقول ابن خلدون " بما حصل في أيديهم من مال الدولة إلى قطر آخر ، يرون أنه أهنأ لهم وأسلم في إنفاقه وحصول ثمرته " . وهنا نشعر أن مفكرنا الكبير كان يستشرف المستقبل .
· استماتة السلطان على كرسيه ومنصبه
فحتى عند وصول الدولة إلى نهايتها ،ولم يعد للسلطان من سبيل إلى مدافعتها ،ويصير من واجبه أن يرحل ويترك سلطنته لمن هو أهل بها ، لا يفعل ذلك لأن " الملك منصب شريف ملذوذ يشتمل على جميع الخيرات الدنيوية والشهوات البدنية والملاذ النفسية فيقع فيه التنافس غالباُ ، وقل أن يسلمه أحد لصاحبه ، إلا إذا غلب عليه ، فتقع المنازعة ، وتفضي إلى الحرب والقتال والمغالبة " .
· اللجوء إلى الأبهة الفارغة من المضمون كتعويض عن هٍرَم الدولة
· فلا يستطيع الملوك في هذه الملرحلة التخلي عما اعتاده من عادات الاترف التي استحكمت لسلفهم ،وأدت إلى ضعف الدولة وهرمها ،وهم يحاولون أن يعوضوا هذا الضعف بالأبهة الفارغة من المضمون " بالمناغان في المطاعم والملابس وتشييد القصور واستجاد
.....
· أما الموضوع الثاني الذي يتناوله د.كحيلة ،فهو عن جمال حمدان وذلك على مدار فصلين .أولاهما عن عروبة مصر في فكره ،والآخر في الدفاع عنه ضد النقد الموجه له من أحمد عباس صالح .
يسير معنا الكاتب خطوة بخطوة ليقف على الشواهد والدلائل في فكر جمال حمدان بما يؤكد فكرة عروبة مصر .
وهذه الشواهد لخصها في أن مصر لم تشهد هجرات أثرت في تكوينها العرقي أبدأً بخلاف الهجرة العربية التي كانت أول إضافة حقيقية إلى تكوين الشعب المصري ،كما كانت آخرها .
كما أن هذه الهجرة لم تغير التركيبة الأساسية للسكان بشكل كبير ، لأن العنصر العربي يعود إلى أصل قاعدي واحد مشترك مع العرق المصري ، أي أن هناك قرابة جنسية .
كما يؤكد حمدان على أهمية البعد الآسيوى لمصر "العربي أساساً " ،والذي يعتبره أهم أبعادها الحضارية ،فالنيل لا يجري في منتصف الصحراء ، إنما هو ينحاز إلى الشرق والدلتا مفتوحة على سيناء .كما يتميز هذا البعد بكونه بعد ارسال واستقبال معاً سواء على المستوى السياسي أو الحضاري أو التاريخي ،عكس البعد المتوسطي الذي يغلب عليه الاستقبال فقط .
كما أن أعظم أمجاد مصر الوطنية تحققت في إطار القومية الكبير ،فتوسع القرن التاسع عشر أكبر من توسع الفراعنة ،وأعظم معارك مصر لم تكن معارك تحوتمس ورمسيس ، إنما كانت معارك صلاح الدين وقطز وبيبرس ..ومحمد علي .
وفي الفصل الأخير في هذا الصدد والمعنون ب "متى نكف عن جحد العلماء " .يتعرض د.كحيلة بالتفنيد لكلام أحمد عباس صالح ،الذي يطعن في أساس فكرة كتاب حمدان " شخصية مصر " حيث يتهمه بأن مصر عنده فكرة غيبية هلامية لا علاقة بها بالمصريين . ويرد كحيلة عليه بأنه ليس مطلوباً من الجغرافي أن يكتب عن شخصية شعب ما فهذا من شأن المؤرخين وعلماء الاجتماع والأنثروبولوجيا والفولكلور ، المطلوب منه فقط أن يكتب عن شخصية وطن ما ،وهذا ما نهض به حمدان في مصر ونهض به جغرافيون غيره مثل زيجفريد وماكيندر في أقطار أخرى غير مصر .
ومطعن آخر لحمدان موجه من عباس أحمد صالح متمثل في مغالاته من وجهة نظره ،في تأثر البيئة الجغرافية ،ويرد د.كحيلة على هذا الرأي بأنه في المراحل المبكرة من الحضارة الإنسانية تكون الجغرافيا هي العامل الأهم في نشأة هذه الحضارة وفي تطورها ،ومن خلالها يمكن أن نفسر العديد من وقائع التاريخ ،فالامكانات المحدودة للإنسان في تلك المرحلة كانت أدنى من أن يتحكم في البيئة حوله .هذه الإمكانات المحدودة كانت تنمو على نحو وئيد ،ولم يقدر لها أن يصبح لها شأنها إلا مع مطالع العصر الحديث ، أي قبل مئات قليلة من السنين ،ورغما عما جرى من تطورات هائلة في العلوم وتطبيقاتها على عصرنا هذا الذي نعيشه ،فما تزال الجغرافيا عنصراُ فاعلاً بين جملة أخرى من العناصر الفاعلة .
كما فند اتهام آخر له متعلق بتوقيت كتابة "شخصية مصر " ،حيث اتهمه عباس أحمد صالح بأنه كتبه بعد هزيمة 1967 ،وما أحدثته من إحباط مفاجىء بلغ حد اليأس وكراهية الذات لدى غالبية المصريين ،وأنه في مثل هذه الظروف يكون رد الفعل إما بمواجهة كل ما حدث ونقده واكتشاف الأخطاء ،وإما بتقوية العزيمة بالإعتزاز بالنفس وبتاريخها وبث الحماسة في النفوس ،وخطورة الاتجاه الثاني هو أن تنسب الهزيمة للقوى التاريخية ويتولد نوع من المكابرة وتجاهل الأسباب الحقيقية . وعليه جاء كتاب حمدان بالحل الثاني ليعيد الثقة إلى المصريين .
هذا الكلام يعتبره د. كحيلة لا محل له من الإعراب ولا علاقة له بالتحليل النفسي ولا أي تحليل آخر غير نفسي ،لسبب بسيط هو أن "حمدان " انتهى من تأليف كتابه "في طبعته الأولى "قبيل هزيمة 1967 . أي أنه ليس ردة فعل لهذه الهزيمة .
......
أما الموضوع الثالث فيتطرق فيه لسيرة رؤوف عباس الذاتية المعنونة ب"ومشيناها خطى " وهوالكتاب الذي أثار ضجة داخل وطنه وخارجه .
يقوم د. كحيلة بعمل موجز لهذه السيرة ،بشكل يوضح ملامح رؤوف عباس كشخص ،وبشكل يضعه نموذجاً للمثقف الذي يقف في وجه الفساد ،وأستاذ الجامعة الذي يتصدي لطغيان جوقة الأساتذة المنافقين .
....
وهنا يترك د.كحيلة كل هذه الشخصيات ، ويتحول لموضوع يراه مهماً وهو عن الرقيق في العصور القديمة وذلك حسب ما ورد في كتاب ل "أحمد فؤاد بلبع " .
يحاول الكاتب تتبع تاريخ الرق وأسباب ظهوره ،حيث ارتبط بالمرحلة التاريخية التي مال الإنسان فيها إلى الاستقرار بعد اختراع الزراعة واكتشاف المعادن حيث عندها اضطر لبذل جهد كبير لتأمين ما يحتاجه . وهنا فكر في استغلال المنهزم في الصراعات في استثماره كقوة عمل .ومن هنا ظهر الرق . ثم أخذ يعدد المصادر الأساسية للرق بعد ذلك ،والتي منها أسرى الحرب ،أو حيازتهم عن طريق الاختطاف .
كما يوضح لمواقف الحضارات والديانات المختلفة من الرق .كما يتعرض لآراء بعض المفكرين والفلاسفة الذين دلوا بدلوهم في هذا الصدد مثل أرسطو الذي اعتبر الرق سنة من سنن الكون .
.....
كما يفتح د.كحيلة موضوعاً عزيزاً على قلبه وهو مخاطر العولمة على بلدان العالم الثالث ،وذلك من خلال عرضه لكتاب "دكتاتورية رأس المال "للمفكر المصري "أديب ديمتري" .
يعرف الكاتب العولمة على أنها تكامل الأسواق الوطنية، واندماجها فى سوق عالمى، (الصحيح عالمية)، يحكم ويسيطر على هذه الأسواق، ويسلبها سيادتها الوطنية" ، ويخرج من هذا التعريف بأنها داروينية، هدفها إزاحة العوائق من حركة رأس المال، والنهب على اتساع العالم كله ، تساعدها التكنولوجيا المتقدمة فى الاتصالات والمعلومات، لتحقيق عائد سريع، من خلال "مرونة العمل.
ومن ثم يعدد أدوات العولمة للسيطرة على العالم وهي أربع أدوات؛ أولاها: الشركات المتعددة الجنسية، فوق القومية (أفضل تعبير المتعدية الجنسية)، وموطنها الأصلى فى البلدان الصناعية المتقدمة، وهى تركز على قطاع الخدمات فى استثماراتها، حيث العائد أكبر (فى مصر كنتاكى وماكدونالدز... فى الدواخل، والقرى السياحية لدى السواحل)، وهى – من ثم – قطاعات قليلة العمالة، كما إن هذه الشركات لديها ميل إلى الاندماج، مما يفضى إلى الاحتكار، وقد تتعاون فيما بينها فى صناعة منتج واحد، بهدف خفض التكلفة، ثم هى معادية للنقابات، فيما يسمى بالمرونة، من خفض للأجور وفصل جماعى ( فى مصر شواهد عليه)، ولما كان هاجسها هو الربح... الربح فحسب، تحول جانب كبير ( أو الجانب الأكبر من نشاطها) إلى سوق المال والمضاربة.
الأداة الثانية: هى المؤسسات المالية العالمية لتوظيف الأموال، وتشمل المصارف الكبرى وشركات التأمين ووكالات السمسرة فى البورصة وغيرها، والتربح بما لديها من أسهم وسندات.
الأداة الثالثة: هى الثورة العلمية والتكنولوجية.. ثورة الروبوت والكومبيوتر والإنترنت، يوضحها إنه إذا انخفض سعر الفائدة فى الولايات المتحدة، تأثرت أسعار الأسهم فى اللحظة ذاتها فى ماليزيا.
الأداة الرابعة والأخيرة: هى المؤسسات الاقتصادية الدولية؛ وأخطرها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية؛ وهى امتداد لمنظمة الجات وتطوير عملى لها.
وكنتيجة على ذلك يتقلص دور الدولة في دول العالم الثالث، وما صاحب ذلك من نزح لثروتها وتدمير لبيئتها، وصار عبء خدمة الديون يستهلك معظم مواردها، وسقط قسم كبير من رأس مالها القومى المنتج بخصخصة الشركات العامة، ووقوعها فى قبضة رأس المال المالى المعولم، وهدمت الصناعات القليلة القائمة، وتراجعت الإنتاجية الزراعية، وهربت رءوس الأموال المحلية، واستفحلت أوبئة كالإيدز، بسبب إصرارشركات الدواء العالمية على حقوق الملكية الفكرية، مما يجعل ثمن الدواء يفوق طاقة الضحايا ومعظمهم أفارقة.. رافق ذلك هجرة العقول إلى الخارج، وغزو فكرى إلى الداخل، من أجل فرض "النموذج الأمريكى" على العالم، مما يهدد الثقافات المحلية من ناحية، ويؤدى إلى صعود التيارات الظلامية من ناحية أخرى، وتهاوى الطبقة الوسطى أو تآكلها... وأخيرًا وليس آخرًا ذبول الدولة الوطنية، بحيث صارت مهمتها إدارة شئون البلاد لحساب الشركات العالمية، وتحولها إلى دكتاتوريات قمعية، خصوصًا بعد التداخل بين دوائر الحكم وبين دوائر المال والأعمال.
....
أما موضوعه الأخير فيحاول فيه الانتصار للعرب ،أو بمعنى أدق الانتصار لما قدمته الحضارة العربية للعالم . ويستعرض فيه اسهاماتها في مجال الانسانيات التي رأي أن العرب لهم أسبقية في اختراق هذه العلوم ،ولهم دور كذلك في تطوير ما وصلهم منها من الحضارتين اليوونانية والاغريقية ليقوموا بتقديمها على طبق من ذهب للحضارة الأوروبية .
وبين الرثاء للحالة المصرية وبين الفخر بالحضارة العربية مضى كتاب د.كحيلة ، الذي كان بمثابة رحلة سريعة بين موضوعات رأى فتحها مهم في هذا الزمان الصعب كما وصفه في عنوان كتابه .
لدينا مقدمة لا تقتبس من المواضيع الداخلية للكتاب ، وإنما ينفس فيها الكاتب غضبه من أحوال البلد ، بما يجهز فرشة جيدة لبقيةالكتاب . يلضم فيها بين تآكل الطبقة الوسطى وبين التهاون الشعبي ازاء قضية العراق ؛ يتحدث فيها عن الخصخصة وفساد السلطة وتدهور التعليم ، عن حزب الله وعن قضية العبارة ،وينهيها بالحديث عن دور المثقف .
.................................
بين العديد من الموضعات يمضي كاتبنا . أولاها عن ابن خلدون ، ويتوزع الكلام عنه على ثلاثة فصول.حيث يتناول أولها كتاب السيرةالذاتية الخاص به والذي خطه بنفسه تحت اسم " التعريف بابن خلدون ورحلته شرقاً وغرباً " . وفيه يوضح لنا حياته بالتفصيل ، يحكي عن كيفية انتقاله بين الأمصار المختلفة . ويتوقف قليلاً عند زيارته للقاهرة ورأيه فيها وفي أهلها وطبيعة شعبها .
لا يكتفي د. عبادة بذكر موجز للكتاب ، ولكنه يذكر ماله وماعليه ، فيذكر محاسنه ولا يخفي عيوبه التي يرى أن منها أن ملكة الوصف عنده خابية ،كما يأخذ عليه أيضاً ولعه بالاستطرادات التي تعتور السياق بشكل لا يخدمه .
أما الفصل الثاني فيفرده للحديث عن مكانه عبد الرحمن بن خلدون كمؤرخ .فيستفيض في وصف الفترة التي لاذ فيعا بقلعة بني سلامة بالمغرب الأوسط ،حيث انصرف إلى تأليف كتابه الشهير " العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر " وهو الكتاب الذي يعرف اختصاراً ب"تاريخ ابن خلدون " .
ثم يستعرض الجدل المثار حول أسبقيةالكتابة بين كتاب ابن خلدون وبين مقدمته ، ويقدم الشواهد التي تجعل الكفة تميل لصالح الكتاب . حيث كتب المقدمة بعد الانتهاء من الكتاب .
ويحاول د. كحيلة الاجابة عن سؤال طرحه وهو " أين مكان ابن خلدون من علم التاريخ ؟" وذلك وهو متوخي الدقة ،فيعرض ما له ومعليه ،حتى لا يعطيه مكانة لا يسحقها ،وأيضاً حتى لا يبخسه حقه .
أما الفصل الأهم في هذا الصدد فهو الفصل الثالث الذي يعني بمحاولة ايجاد اسقاطات من آراء ابن خلدون على ظواهر وقضايا زماننا وذلك تحت عنوان دال وهو " عبد الرحمن بن خلدون .. حاضر في زماننا" . حيث يتعرض فيه لفكرة ابن خلدون عن أسباب قيام الدول وفنائها . والتي لخصها في :
· فساد السلطان
الذي _علي حد قول ابن خلدون _ يلجأ إلى فرض جبايات غير معتادة على الشعب ،ليصرف على ملذاته ، وهذه الجبابات بدورها تؤدي إلى أن يرفع التجار أسعار سلعهم ، بسبب كثرة "المكوس "المفروضة عليهم ، وذلك حتي يستطيعوا التحايل عليها ،مما يترك أثره على الحالة الاقتصادية للبلاد ، و لا يبذل د. كحيلة جهداً كبيراُ في تبين أوجه التشابه بين ذلك الكلام وبين ما يحدث الآن في مصر .
· تخلي الدولة عن القيام بدورها في تدعيم السلع الأساسية أو الخصخصة
يذكر ابن خلدون أن من أسباب فناء الدول توقف السلطان عن الخصخصة واحتجانه للأموال ،وعدم صرفها في مصارفها ،مما يؤدي لوقوع الكساد ، الذي يترتب على توقف الحركة في الأسواق .
وهنا يذكر د. كحيلة أن ابن خلدون توصل إلى قانون اقتصادي مهم ،ويعتمده الكثير من علماء الاقتصاد ومنهم "كينز " وهو أن " الدولة هي السوق الأعظم أم الأسواق كلها ، وأصلها ومادتها في الدخل والخرج ، فإن كثرت وقلت مصارفها فأجدر بما بعدها من الأسواق أن يلحقها مثل ذلك وأشد منه " .
· اشتغال الحاكم بالتجارة
وما يتبعه ذلك من أن تكون هذه التجارة غير متكافئة الأطراف ، حيث يتفوق الحكام عن غيرهم بالمنصب ، وبأنهم يستطيعون فرض الأسعار على هواهم ،مما يؤدي لتدهور أحوال التجار ،وما يتبعه من قعود الفلاحين عن الفلاحة . وهذا الكلام بالتأكيد له مردود في عصرنا من تزاوج السلطة والمال ،وتقلد العديد من رجال الأعمال للمناصب السياسية مما يؤدي لاحتكار بعض السلع ومنها الأساسية وارتفاع أسعارها .
· تحول المجتمع لمجتمع استهلاكي
وليس من العجب أن نجد ابن خلدون يتكلم عن المجتمع الاستهلاكي الذي يرى أنه نتيجة طبيعية لمثل هذه الأجواء ، حيث تصير القيمة السائدة هي قيمةالبحث عن الربح ، وأحيانا ً الربح بدون إنتاج ،وهو ما ندعوه في عصرنا ب"الريع " ،وهي قيمة لا يوافق عليها ابن خلدون لأن العمل عنده يشكل القيمة أو معظمها فهو يقول ما نصه " إنما المفادات والمكتسبات كلها أو أكثرها هي قيمة الأعمال الإنسانية "وهو هنا يقترب من نظرية كارل ماركس .
· نفاق وتملق حاشية السلطان
وعنئذٍ يكون الافراز الطبيعي لهذا المجتمع ، الذي يسوده الترف ،كما يسوده استقطاب طبقي حاد ،هو أن تكون الوسيلة الوحيدة للصعود هي الخضوع والتملق لأن الناس لا يستطيعون الوصول إلى غاياتهم دونها وبذا يرتفع الكثير من السفلة .
· الانقياد لأمة أخرى أكثر تحضراً
وذلك بأخذ مظاهر حضارتها دون الجوهر . ويضرب ابن خلدون مثالاً على ذلك بمملكة غرناطة التي تشبه أهلها بالجلالقة "الأسبان " فظلت دولتهم في انحدار إلى أن زالت من الوجود .
· أسلمة العلوم
فطن ابن خلدون لهذه الظاهرة قبل غيره من مفكرينا ، وهي ظاهرة تصاحب عصور الانحطاط ،ونشاهد بعض تجلياتها في عصرنا هذا ،فيقول ابن خلدون " وأما العلوم العقلية التي هي طبيعة للإنسان ، من حيث إنه ذو فكر ،فهي غير مختصة بملة ، بل يوجد النظر فيها لأهل الملل كلها ،ويستوفي في مداركها ومباحثها ، وهي موجودة في النوع الإنساني منذ كان عمران الخليقة " .
· هروب الأغنياء من البلد
حيث يهرع البعض من حاشية السلطان وخاصته إلى الهرب فيقول ابن خلدون " بما حصل في أيديهم من مال الدولة إلى قطر آخر ، يرون أنه أهنأ لهم وأسلم في إنفاقه وحصول ثمرته " . وهنا نشعر أن مفكرنا الكبير كان يستشرف المستقبل .
· استماتة السلطان على كرسيه ومنصبه
فحتى عند وصول الدولة إلى نهايتها ،ولم يعد للسلطان من سبيل إلى مدافعتها ،ويصير من واجبه أن يرحل ويترك سلطنته لمن هو أهل بها ، لا يفعل ذلك لأن " الملك منصب شريف ملذوذ يشتمل على جميع الخيرات الدنيوية والشهوات البدنية والملاذ النفسية فيقع فيه التنافس غالباُ ، وقل أن يسلمه أحد لصاحبه ، إلا إذا غلب عليه ، فتقع المنازعة ، وتفضي إلى الحرب والقتال والمغالبة " .
· اللجوء إلى الأبهة الفارغة من المضمون كتعويض عن هٍرَم الدولة
· فلا يستطيع الملوك في هذه الملرحلة التخلي عما اعتاده من عادات الاترف التي استحكمت لسلفهم ،وأدت إلى ضعف الدولة وهرمها ،وهم يحاولون أن يعوضوا هذا الضعف بالأبهة الفارغة من المضمون " بالمناغان في المطاعم والملابس وتشييد القصور واستجاد
.....
· أما الموضوع الثاني الذي يتناوله د.كحيلة ،فهو عن جمال حمدان وذلك على مدار فصلين .أولاهما عن عروبة مصر في فكره ،والآخر في الدفاع عنه ضد النقد الموجه له من أحمد عباس صالح .
يسير معنا الكاتب خطوة بخطوة ليقف على الشواهد والدلائل في فكر جمال حمدان بما يؤكد فكرة عروبة مصر .
وهذه الشواهد لخصها في أن مصر لم تشهد هجرات أثرت في تكوينها العرقي أبدأً بخلاف الهجرة العربية التي كانت أول إضافة حقيقية إلى تكوين الشعب المصري ،كما كانت آخرها .
كما أن هذه الهجرة لم تغير التركيبة الأساسية للسكان بشكل كبير ، لأن العنصر العربي يعود إلى أصل قاعدي واحد مشترك مع العرق المصري ، أي أن هناك قرابة جنسية .
كما يؤكد حمدان على أهمية البعد الآسيوى لمصر "العربي أساساً " ،والذي يعتبره أهم أبعادها الحضارية ،فالنيل لا يجري في منتصف الصحراء ، إنما هو ينحاز إلى الشرق والدلتا مفتوحة على سيناء .كما يتميز هذا البعد بكونه بعد ارسال واستقبال معاً سواء على المستوى السياسي أو الحضاري أو التاريخي ،عكس البعد المتوسطي الذي يغلب عليه الاستقبال فقط .
كما أن أعظم أمجاد مصر الوطنية تحققت في إطار القومية الكبير ،فتوسع القرن التاسع عشر أكبر من توسع الفراعنة ،وأعظم معارك مصر لم تكن معارك تحوتمس ورمسيس ، إنما كانت معارك صلاح الدين وقطز وبيبرس ..ومحمد علي .
وفي الفصل الأخير في هذا الصدد والمعنون ب "متى نكف عن جحد العلماء " .يتعرض د.كحيلة بالتفنيد لكلام أحمد عباس صالح ،الذي يطعن في أساس فكرة كتاب حمدان " شخصية مصر " حيث يتهمه بأن مصر عنده فكرة غيبية هلامية لا علاقة بها بالمصريين . ويرد كحيلة عليه بأنه ليس مطلوباً من الجغرافي أن يكتب عن شخصية شعب ما فهذا من شأن المؤرخين وعلماء الاجتماع والأنثروبولوجيا والفولكلور ، المطلوب منه فقط أن يكتب عن شخصية وطن ما ،وهذا ما نهض به حمدان في مصر ونهض به جغرافيون غيره مثل زيجفريد وماكيندر في أقطار أخرى غير مصر .
ومطعن آخر لحمدان موجه من عباس أحمد صالح متمثل في مغالاته من وجهة نظره ،في تأثر البيئة الجغرافية ،ويرد د.كحيلة على هذا الرأي بأنه في المراحل المبكرة من الحضارة الإنسانية تكون الجغرافيا هي العامل الأهم في نشأة هذه الحضارة وفي تطورها ،ومن خلالها يمكن أن نفسر العديد من وقائع التاريخ ،فالامكانات المحدودة للإنسان في تلك المرحلة كانت أدنى من أن يتحكم في البيئة حوله .هذه الإمكانات المحدودة كانت تنمو على نحو وئيد ،ولم يقدر لها أن يصبح لها شأنها إلا مع مطالع العصر الحديث ، أي قبل مئات قليلة من السنين ،ورغما عما جرى من تطورات هائلة في العلوم وتطبيقاتها على عصرنا هذا الذي نعيشه ،فما تزال الجغرافيا عنصراُ فاعلاً بين جملة أخرى من العناصر الفاعلة .
كما فند اتهام آخر له متعلق بتوقيت كتابة "شخصية مصر " ،حيث اتهمه عباس أحمد صالح بأنه كتبه بعد هزيمة 1967 ،وما أحدثته من إحباط مفاجىء بلغ حد اليأس وكراهية الذات لدى غالبية المصريين ،وأنه في مثل هذه الظروف يكون رد الفعل إما بمواجهة كل ما حدث ونقده واكتشاف الأخطاء ،وإما بتقوية العزيمة بالإعتزاز بالنفس وبتاريخها وبث الحماسة في النفوس ،وخطورة الاتجاه الثاني هو أن تنسب الهزيمة للقوى التاريخية ويتولد نوع من المكابرة وتجاهل الأسباب الحقيقية . وعليه جاء كتاب حمدان بالحل الثاني ليعيد الثقة إلى المصريين .
هذا الكلام يعتبره د. كحيلة لا محل له من الإعراب ولا علاقة له بالتحليل النفسي ولا أي تحليل آخر غير نفسي ،لسبب بسيط هو أن "حمدان " انتهى من تأليف كتابه "في طبعته الأولى "قبيل هزيمة 1967 . أي أنه ليس ردة فعل لهذه الهزيمة .
......
أما الموضوع الثالث فيتطرق فيه لسيرة رؤوف عباس الذاتية المعنونة ب"ومشيناها خطى " وهوالكتاب الذي أثار ضجة داخل وطنه وخارجه .
يقوم د. كحيلة بعمل موجز لهذه السيرة ،بشكل يوضح ملامح رؤوف عباس كشخص ،وبشكل يضعه نموذجاً للمثقف الذي يقف في وجه الفساد ،وأستاذ الجامعة الذي يتصدي لطغيان جوقة الأساتذة المنافقين .
....
وهنا يترك د.كحيلة كل هذه الشخصيات ، ويتحول لموضوع يراه مهماً وهو عن الرقيق في العصور القديمة وذلك حسب ما ورد في كتاب ل "أحمد فؤاد بلبع " .
يحاول الكاتب تتبع تاريخ الرق وأسباب ظهوره ،حيث ارتبط بالمرحلة التاريخية التي مال الإنسان فيها إلى الاستقرار بعد اختراع الزراعة واكتشاف المعادن حيث عندها اضطر لبذل جهد كبير لتأمين ما يحتاجه . وهنا فكر في استغلال المنهزم في الصراعات في استثماره كقوة عمل .ومن هنا ظهر الرق . ثم أخذ يعدد المصادر الأساسية للرق بعد ذلك ،والتي منها أسرى الحرب ،أو حيازتهم عن طريق الاختطاف .
كما يوضح لمواقف الحضارات والديانات المختلفة من الرق .كما يتعرض لآراء بعض المفكرين والفلاسفة الذين دلوا بدلوهم في هذا الصدد مثل أرسطو الذي اعتبر الرق سنة من سنن الكون .
.....
كما يفتح د.كحيلة موضوعاً عزيزاً على قلبه وهو مخاطر العولمة على بلدان العالم الثالث ،وذلك من خلال عرضه لكتاب "دكتاتورية رأس المال "للمفكر المصري "أديب ديمتري" .
يعرف الكاتب العولمة على أنها تكامل الأسواق الوطنية، واندماجها فى سوق عالمى، (الصحيح عالمية)، يحكم ويسيطر على هذه الأسواق، ويسلبها سيادتها الوطنية" ، ويخرج من هذا التعريف بأنها داروينية، هدفها إزاحة العوائق من حركة رأس المال، والنهب على اتساع العالم كله ، تساعدها التكنولوجيا المتقدمة فى الاتصالات والمعلومات، لتحقيق عائد سريع، من خلال "مرونة العمل.
ومن ثم يعدد أدوات العولمة للسيطرة على العالم وهي أربع أدوات؛ أولاها: الشركات المتعددة الجنسية، فوق القومية (أفضل تعبير المتعدية الجنسية)، وموطنها الأصلى فى البلدان الصناعية المتقدمة، وهى تركز على قطاع الخدمات فى استثماراتها، حيث العائد أكبر (فى مصر كنتاكى وماكدونالدز... فى الدواخل، والقرى السياحية لدى السواحل)، وهى – من ثم – قطاعات قليلة العمالة، كما إن هذه الشركات لديها ميل إلى الاندماج، مما يفضى إلى الاحتكار، وقد تتعاون فيما بينها فى صناعة منتج واحد، بهدف خفض التكلفة، ثم هى معادية للنقابات، فيما يسمى بالمرونة، من خفض للأجور وفصل جماعى ( فى مصر شواهد عليه)، ولما كان هاجسها هو الربح... الربح فحسب، تحول جانب كبير ( أو الجانب الأكبر من نشاطها) إلى سوق المال والمضاربة.
الأداة الثانية: هى المؤسسات المالية العالمية لتوظيف الأموال، وتشمل المصارف الكبرى وشركات التأمين ووكالات السمسرة فى البورصة وغيرها، والتربح بما لديها من أسهم وسندات.
الأداة الثالثة: هى الثورة العلمية والتكنولوجية.. ثورة الروبوت والكومبيوتر والإنترنت، يوضحها إنه إذا انخفض سعر الفائدة فى الولايات المتحدة، تأثرت أسعار الأسهم فى اللحظة ذاتها فى ماليزيا.
الأداة الرابعة والأخيرة: هى المؤسسات الاقتصادية الدولية؛ وأخطرها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية؛ وهى امتداد لمنظمة الجات وتطوير عملى لها.
وكنتيجة على ذلك يتقلص دور الدولة في دول العالم الثالث، وما صاحب ذلك من نزح لثروتها وتدمير لبيئتها، وصار عبء خدمة الديون يستهلك معظم مواردها، وسقط قسم كبير من رأس مالها القومى المنتج بخصخصة الشركات العامة، ووقوعها فى قبضة رأس المال المالى المعولم، وهدمت الصناعات القليلة القائمة، وتراجعت الإنتاجية الزراعية، وهربت رءوس الأموال المحلية، واستفحلت أوبئة كالإيدز، بسبب إصرارشركات الدواء العالمية على حقوق الملكية الفكرية، مما يجعل ثمن الدواء يفوق طاقة الضحايا ومعظمهم أفارقة.. رافق ذلك هجرة العقول إلى الخارج، وغزو فكرى إلى الداخل، من أجل فرض "النموذج الأمريكى" على العالم، مما يهدد الثقافات المحلية من ناحية، ويؤدى إلى صعود التيارات الظلامية من ناحية أخرى، وتهاوى الطبقة الوسطى أو تآكلها... وأخيرًا وليس آخرًا ذبول الدولة الوطنية، بحيث صارت مهمتها إدارة شئون البلاد لحساب الشركات العالمية، وتحولها إلى دكتاتوريات قمعية، خصوصًا بعد التداخل بين دوائر الحكم وبين دوائر المال والأعمال.
....
أما موضوعه الأخير فيحاول فيه الانتصار للعرب ،أو بمعنى أدق الانتصار لما قدمته الحضارة العربية للعالم . ويستعرض فيه اسهاماتها في مجال الانسانيات التي رأي أن العرب لهم أسبقية في اختراق هذه العلوم ،ولهم دور كذلك في تطوير ما وصلهم منها من الحضارتين اليوونانية والاغريقية ليقوموا بتقديمها على طبق من ذهب للحضارة الأوروبية .
وبين الرثاء للحالة المصرية وبين الفخر بالحضارة العربية مضى كتاب د.كحيلة ، الذي كان بمثابة رحلة سريعة بين موضوعات رأى فتحها مهم في هذا الزمان الصعب كما وصفه في عنوان كتابه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق