سوق التبليطة القريب من وكاله الغوري كان أول الأسواق التي عرفها حسن سليمان .. وتوالت
الأسواق بعد ذلك وتوالت العلاقة بهم ، فالسوق لديه هو الشعر ، وهو تلاعب الظل والنور ، وهو الموسيقي.. الخضروات الطازجه جداً هي جزء من طزاجة هذا العالم ،وملمحاً من ملامح الجمال الشعبي الذي لم يجده في أي امرأة أخرى .
جمال المرأة الشعبية جمال صريح وأصيل.. يقول حسن سليمان: هي امرأة لا تخفي أنوثتها بل تجاهر بها ،ليس لديها عقدة (المساواة) لدي المرأه المثقفة او المرأة الأرستقراطية.. لاالرجل في الأحياء الشعبية يريد أن يكون امرأة ، ولا المرأة تريد أن تكون رجلاً .
أنوثة خالصة نقية ،ذلك هو النموذج الذي بحث عنه ، وأمسك به داخل السوق،أنوثه صريحة وكادحة أيضاً، فهي امرأة تعمل طوال اليوم بقروش قليلة لتوفر حياة لأفواه لاتعد ، وربما لزوج مدمن ،أو يعمل يوم وينام في اليوم التالي .
امرأ’ السوق امرأة مختلفة ، لا شبيه لها في الطبقات الارستقراطيه او الطبقات الوسطي..
كانت تغني أغنية وردة: لوسألوك..
سألها حسن سليمان : لماذا هذا الحزن؟
قالت: هجرني بلا أسباب وتزوج من امرأة أخرى
رسمها (كروكي) في العديد من الاسكتشات مسجلا اللون فوق الكروكي..(ماتيس وبيكاسو) كانوا يفعلون ذلك ، لكن حسن سليمان لم يكن يعنيه اللون تماماً ، كل ما يهمه هو البعد خلف المرأه..كان يحاول ان يحتفظ بالثنيات والانحناءات علي أردافها ،للانحناءات معني الحلاوة والأنوثة ،ويحتفظ بالايقاع الموسيقي في صوتها المليء بالشجن0
قال لها : الرجالة عمي ،لو كنت صغير لتزوجتك
قالت له: انت مش كبير
وفي سوق التبليطة أعجب( ببائعه السبانخ ) كانت تعرف اعجابه بها وكانت تعرف أنه يقوم برسمها، لكنها فجأ’ امتعضت وأشارت له أن يبتعد فزوجها قادم..وعندما ابتعد زوجها غمزت له بعينيها أن يكمل ما يريد رسمه..رسمها كروكي باحجام مختلفة ، بحجم كبير وأحياناً بحجم صغير..بعد ذلك يكمل الرسم في الجاليري ، مستعينا ببعض الخضروات وقطعو من الخيش ، يضعها أسفل الخضراوات حتي يري اللون بدقة.. ومره أخرى كانت الانحناءات في قماش الجلباب ، والثنيات في الملاءة، تحدد الإيقاع وموسيقي اللوحة.
يحكي حسن سليمان عن (اعتدال)..كان يجلس أمام حنفية المياه( لم تعد تعمل حالياً) خلف السوق في الوسعاية بالباطنية كان ينتظرها ويلاحقها يوم بعد يوم ..امرأة طويلة ممشوقة ذلك التناسق والاتزان الذي ينطوي علي أنوثة متفجرة .
سألته وهو يواصل الرسم: ألم تزهق بعد؟
قال: لن أفقد الأمل .
قالت: انتظرني عند محطة الأتوبيس أمام مستشفي الحسين..الغريب أنها جاءت واحدة أخرى .. ملابس مختلفة(جونلة وبلوزة) شعر مصفف وأظافر مطلية بالألوان ..عندئذ أحس أنها فقدت كل شيء ، لم تعد هي خرجت من اطارها الجميل المتناسق وصارت شيئاً ممسوخاً ،دعاها إلى طبق أرز بلبن من (المالكي) واشتري لها بسبوسة ثم انقطع عنها نهائياً.. لم يعد يرسمها..لم يعد يراها ولو مرت امامه بالسوق مئات المرات..
.......
مقتطف من كتاب
"نساء حسن سليمان"
لعبلة الرويني
قريباً عن دار العين للنشر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق