الثلاثاء، 30 ديسمبر 2008

قريباً عن دار العين ....


يصدر قريباً جداً عن دار العين للنشر كتاب "في كل قلب حكاية " لأحمد الفخراني وهو عنوان الباب الأسبوعي الذي يكتبه في صفحة المجتمع بجريدة البديل .
وهو عبارة عن بورتريهات لشخصيات عادية وهامشية ..لكنها حقيقية وتشبهنا وفيها يكشف أحمد عن جوهرها الانسانى ..عن أوجاعها وأحزانها وأحلامها وطموحاتها .
تقول د.كريمة كمال في تقديمها للكتاب " فى المرة الأولى التى قرأت فيها الباب ..شعرت بصدق هذه الشخصيات فأحمد قدمها بلا أقنعة وبدون حياد أيضا ..كان يبدو كمدافع عن أحلامهم البسيطة وأخطاؤهم ..ولم تكن الحكاية عنده سوى وسيلة للكشف عن جمالهم الداخلى ".
...
كما ينضم الشاعر العماني المعروف سيف الرحبي لأسرة كتاب العين ،وذلك بإصدارها حواريته_كما يفضل أن يسميها_ " نشيد الأعمي " والتي ستكون متوافرة قريباً جداً في الأسواق .
..
ومن عمان إلى الكويت حيث تصدر العين ديوان الشاعر " ابراهيم الكندري " الجديد وهو "من وحي الحماقة " والذي يقول عنه أنه " فكرة استولت على كل جوارحي لمدة ٤ سنوات، لم أكن أقصد منها سوى التعبير الحر، لم أللتزم بأي شيء وأنا أتعامل معها، كل ما أردت هو التعبير الحر المطلق، أما اليوم، فكل ما أرجوه أن تقرؤها في شكلها النهائي، كتابي الأول، كما هي، تعبير أحمق عن حالة حمقاء كانت حالتي."والديوان من تقديم د.مختار غالي .
..

الأربعاء، 17 ديسمبر 2008

عندما يتحول العالم‮ ‬إلي‮" ‬واقع افتراضي‮":‬ الحكاية تسبق الوجود‮ !


شعرة واهية جدا‮ ‬،‮ ‬حالت دون أن نقرأ‮ " ‬حواديت الآخر‮ " ‬ رواية‮ " ‬حسام فخر‮ " ‬الأخيرة كمجموعة أو متتالية قصصية‮ .. ‬فالحكايات التي تنتظم الكتاب التأمت في عقد سردي واحد‮ ‬،‮ ‬واكتسب مجموع البني الفردانية لكل حكاية بنية مركزية دورتها في فلكها،‮ ‬مما جعل قراءتها كعمل روائي أمرا‮ ‬محتملا‮ ‬مع الاحتفاظ بإمكانية قراءتها كحكايات‮ . ‬
‮ ‬نحن أمام‮ " ‬حكاية إطار‮ " ‬تتولد منها حكايات فرعية‮. ‬تحيلنا البنية دون مواربة لألف ليلة وليلة‮ .. ‬كما يحيلنا المكان البطل في الرواية‮ ‬،‮ ‬وهو‮ " ‬مدينة النحاس‮ "‬،‮ ‬والذي يستعير نظيره في الليالي متناصا‮ ‬معه ومحاورا‮ ‬إياه‮ . ‬حتي طبيعة العلاقة بين الراوي و‮" ‬الآخر‮ " ‬ اللذين يتخلق النص بين خطابيهما تكاد تكون استعادة لحكاية السندباد وشيخ البحر في الليالي أيضا‮ ‬،‮ ‬حيث يستريح‮" ‬الآخر"علي كتفيه ويطبق بساقين من حديد علي جنبيه‮. ‬الرواية إذن بداءة تكاد تكون معارضة عصرية لنص من الموروث‮.. ‬بل إنها تستعير لغته في مواضع شتي،‮ ‬خاصة تلك التي تمثل حوار الآخر،‮ ‬القادم من مكان مجهول ومن زمن مغيب مفارق ليقيم حوارا‮ ‬مع الراوي العصري‮. ‬إن أول عبارات للآخر هي‮ : " ‬لقد عشت مغامرات يشيب لهولها الولدان وذلك في مدينة النحاس والله وحده يعلم كيف خرجت منها حيا،‮ ‬رأيت ما لا عين رأت ولا أذن سمعت‮ ‬،‮ ‬وأريد الآن أن أكتب ما رأيت،‮ ‬غير أني تعبان منهك ووقع اختياري عليك‮. ‬سأركب كتفيك وأستعير مخك لثمانية أيام وسبع ليال،‮ ‬سأخبرك بما جري لي وأنت ستكتبه‮ ".‬
‮ ‬الشفاهي متمثلا‮ ‬في الآخر يهيمن علي الكتابي الذي يمثله الراوي في أولي عتبات الدلالة‮ . ‬الآخر يحط علي الراوي مطالبا‮ ‬إياه أو آمرا‮ ‬إن شئنا الدقة بكتابة حكايته الخاصة،‮ ‬حكايته الشفهية،‮ ‬كي تخلد وتهزم النسيان والطمس‮. ‬خطاب الآخر مسجوع،‮ ‬عامر بالزخارف،‮ ‬عتيق البلاغة ومثقل بالمجازات‮.. ‬أما خطاب الراوي فلغته تداولية،‮ ‬بسيطة،‮ ‬مشهدية وخالية من الزخرف‮ . ‬هذا صراع‮ ‬أول‮ .. ‬لا نعرف لمن ستؤول فيه الغلبة في نهاية المطاف‮. ‬حسب‮ " ‬ميشيل فوكو‮ "‬،‮ ‬في‮ "‬وظيفة المثقف السياسية‮ " ‬فإن‮ " ‬المهزومين ليسوا عديمي لغة،‮ ‬ولكنهم لا يتحدثون لغة نحن مضطرون لأن نصغي إليها،‮ ‬لأنهم مستعبدون‮ ". ‬ربما يوائم هذا المنطق عجز لغة الراوي علي عصريتها حيال قدرة لغة الآخر،‮ ‬علي مفارقتها‮. ‬هنا يكمن سؤال لآخر،‮ ‬جوهري في الرواية بامتداد صفحاته،‮ ‬هو سؤال عجز الإنسان المعاصر‮. ‬الآخر هو ابن مدينة النحاس الخيالية،‮ ‬المفارقة للواقع والتي تخاصم شروط المحاكاة‮ ‬،‮ ‬والمنطق بالذات‮ . ‬الراوي ابن المدينة الحديثة المعممة في النص وغير المسماة،‮ ‬مثله تماما‮ ‬ وغير القادر علي اعتناق قناعة مفارقة‮.‬
‮ ‬مفارقة أولي ستبرز،‮ ‬في علاقة الرواية بألف ليلة‮ .. ‬تخص دور من يحكي الحكاية وبالمقابل دور من يتلقي الحكي‮ . ‬شهرزاد كانت تحكي لتنجو من الموت‮. ‬في كل حكايات ألف ليلة الغلبة،‮ ‬والقوة،‮ ‬لمن ينصت وليست لمن يروي‮. ‬المنصت هو دائما صاحب السلطة وكاتب المصير،‮ ‬والحكاية طريق لتفادي الموت عند من يملكها‮. ‬الأمر هنا معكوس تماما‮.. ‬صاحب الحكاية هو صاحب القوة ومن يستمع عاجز‮ . ‬
‮> > > ‬
‮ ‬الرواية تقع في جزءين‮ ‬،‮ ‬فاصلين إشاريين يقسمانها إلي شطرين رئيسيين‮ . ‬في الجزء الأول يكتب الراوي الرحلة كما يرويها‮ " ‬الآخر‮ " ‬،‮ ‬يتمثلها ذهنيا‮ ‬فحسب ويتلقاها من منتجها‮ ‬ليخطها‮ .. ‬أما الجزء الثاني والذي يحتل أكثر من ثلثي النص فيبدأ الراوي فيه رحلته الخاصة،‮ ‬ليحكي هو‮. ‬يترتب علي ذلك تغيير جوهري في وضعية الراوي‮. ‬تنتفي بشكل ما وساطة الراوي بين صاحب النص ومن سيقرأه بعد ذلك‮. ‬إن الراوي في الجزء الأول يبدو بلا موضع بين طرفي النص المسرود‮ ( ‬منتجه ومستهلكه‮ ).. ‬بينما يتحول بعد ذلك لمنتج أكيد‮ . ‬
‮ ‬لماذا قرر الراوي أن يخوض الرحلة بنفسه ؟‮.. ‬السؤال جوهري،‮ ‬وإجابته كما يقدمها النص‮ : ‬البحث عن الآخر‮ ! . ‬ربما يبدو ذلك محيرا،‮ ‬أن تبحث ذات عما تهرب منه‮. ‬الدافع أيضا‮ ‬يبدو‮ ‬غير معقول‮.. ‬فبعد رحيل‮ " ‬الآخر‮" ‬في نهاية الجزء الأول،‮ ‬يستجيب الراوي مع انطلاق الجزء الثاني ل‮ " ‬آخر‮ " ‬جديد‮.. ‬هو هذه المرة محض صوت في المنام‮ . ‬صوت يقض مضجع الراوي،‮ ‬يؤنبه لتخليه عن‮ " ‬الآخر‮ " ‬وعدم سؤاله عنه منذ اختفائه ويأمره بالبحث عنه والوصول إليه‮ . ‬الصوت هذه المرة يبدو تمثيلا‮ ‬كاملا‮ ‬للمطلق‮ ‬،‮ ‬واستجابة الراوي المسلمة‮ ‬له تحيلنا لتأويل يقضي بأن هذا الصوت علي نحو أو آخر صوت الله‮. ‬يبدأ الراوي رحلته للبحث عن الآخر،‮ ‬بينما هو في الحقيقة يبحث عن ذاته‮. ‬لماذا يكتشف الراوي ذاته عبر اكتشاف الآخر ؟ لماذا يتخذ قراره المصيري وفق إرادة مفارقة لم تنبع من داخله ؟‮ .. ‬إنه سؤال آخر يفارق نمط البطل الروائي الحديث،‮ ‬الذي لا ينطلق سوي من مساحة الشك اللصيقة به،‮ ‬وينفي الأصوات الكلية عن مدار رؤاه‮ . ‬عجز كامل يحيل البطل هنا لشخصية قدرية‮. ‬ينتفي عنه وجوده النسبي واعتداده بقيمة الشك،‮ ‬كأنه يبحث عن‮ " ‬مخلٌِص‮ "‬،‮ ‬ويصير محض مجسيٌّر‮: ( ‬أنا مكلف بالبحث عن شخص‮ ) ‬هكذا تتجسد المهمة من وجهة نظر الراوي نفسه‮.‬
‮> > > ‬
‮ ‬المعرفة،‮ ‬حسب بنية‮ ‬الرواية،‮ ‬تستلزم رحلة خطية،‮ ‬يحيل فيها كل مكان ولحظة زمنية إلي ماهو لاحق ليس فقط في السياق التعاقبي،‮ ‬لكن في الإيغال المعرفي باتجاه الكشف‮. ‬مع كل خطوة هناك اقتراب أكبر من إمكانية إدراك الحقيقة‮.. ‬وكل لحظة فائتة هي بالضرورة أقل وضوحا‮. ‬الراوي يتنقل من مكان لأخر بحثا‮ ‬عن الآخر الذي يتماهي معه لحظة بعد أخري وفي كل محطة هناك حكاية جديدة‮. ‬حكاية تؤكد وجود الآخر حتي لو أعلنت كل الشواهد أن ذلك‮ ‬غير صحيح‮. ‬غير أن الراوي في مرحلة من بحثه يجد نفسه أمام حتمية صعبة‮: ‬أن يفقد روحه‮. ‬هذا المعني الميتافيزيقي تجري ترجمته في الرواية‮ ‬إلي حدث حقيقي‮. ‬تفشل محاولة الراوي في الحصول علي روح جديدة بدلا‮ ‬من روحه المهترئة‮ .. ‬ويخبره‮ " ‬الحكيم‮ " ‬بسبب الفشل‮: " ‬كانت الروح الجديدة علي وشك الحلول فيك،‮ ‬ولكنك أردت أن تجمع القديم والجديد في الآن عينه،‮ ‬وهما ضدان لا يجتمعان فأضعت الاثنين‮.. ‬ولم يعد أمامك إلا أن تستأنف سعيك اليائس‮ ". ‬المدهش هنا أن الراوي رغب في استبدال روحه بروح‮ " ‬الآخر‮ " ‬تحديدا‮ .. ‬وتقمصه بالفعل فور إجراء الجراحة،‮ ‬فعندما يسأله الحكيم عن اسمه يقول‮ : ‬اسمي الآخر‮ .‬
‮ ‬المعرفة إذن،‮ ‬وفق النص،‮ ‬لا تتم إلا بالإقصاء،‮ ‬بالاستبعاد،‮ ‬وهو ما يعجز عنه الراوي‮. ‬لنلاحظ أيضا‮ ‬أن لغة الراوي تقترب من لغة الآخر كلما تقدمت الرحلة حتي يصير خطابه في النهاية هو نفسه خطاب الآخر،‮ ‬بمفرداته وتكآته البلاغية‮. ‬
‮ ‬حتي عندما يقرر الراوي استرداد روحه،‮ ‬تسرق منه‮ .. ‬وكأن مصيرها الوحيد هو أن تغادره‮ . ‬
‮ ‬قرب النهاية يقابل الراوي‮ " ‬الآخر‮ " ‬من جديد‮.. ‬لتنقلب الآية هذه المرة،‮ ‬وليصير التوحد نهائيا‮. ‬الراوي يطلب منه ألا يفارقه،‮ ‬وعندما يبدي الآخر اندهاشه،‮ ‬يقول الراوي في عبارة‮ " ‬مورالية‮ " ‬تلخص جانبا‮ ‬ضخما‮ ‬من مغزي الرحلة‮: ( ‬أما أنني لا أطيقك،‮ ‬فهذا أمر مفروغ‮ ‬منه وحق لا مراء فيه‮ .. ‬كل مرة اقتحمت فيها حياتي ارتبكت أموري،‮ ‬واختلطت مواعيدي،‮ ‬ونكثت بوعودي،‮ ‬وخربت علاقاتي بكل البشر‮ .. ‬لكنني أحببت الحواديت وسعدت بسماعها‮.. ‬وأعتقد أن ما يزال عندك الكثير منها،‮ ‬وأريد حقا‮ ‬أن أن أدونها لك كما كانت الحال في أول مرة‮ .. ‬أرجوك‮ .. ). ‬
‮ ‬الحكي كغاية يصير هو الوجود ذاته،‮ ‬الحكي كذب،‮ ‬غير أن الوجود كما يمكن أن نجربه ليس بالضرورة حقيقيا‮ ‬وقابلا‮ ‬للتصديق‮. ‬إن العالم في‮ " ‬حواديت الآخر‮ " ‬يبدو تاليا‮ ‬في وجوده علي صورته كحفنة حكايات‮. ‬وما‮ " ‬رآه‮ " ‬الراوي لم ينقض في لحظة ما‮ " ‬روي له‮ " ‬عن مدينة النحاس‮ .. ‬صورة العالم كما يقدمها الحكي تكاد تطابق جوهره كما تخبره الذات‮ . ‬وتغدو‮ " ‬الكتابة‮ " ‬وفق هذا المنطق كمنجز متقدم في مسيرة الحضارة سجنا‮ ‬للوجود،‮ ‬ينتزعه من رحابة التحريف قدر ما يضمن له الاستمرارية‮. ‬صفقة لابد منها،‮ ‬البقاء لابد له من سياق اتفاقي يخلقه ما هو مدوٌّن‮. ‬
‮> > > ‬
‮ ‬المنطق الفني للرواية يعمد إلي خلق‮ ( ‬بارودي‮ ) ‬أو محاكاة ساخرة للعالم الحديث‮. ‬إن‮ "‬مدينة النحاس‮ " ‬تبدو هنا كما لو كانت مدينة افتراضية علي شاشة كمبيوتر،‮ ‬تملك مواصفات ماضوية أكيدة لكن شروطها الفعلية تنتمي لمعرفة ما بعد الحداثة‮. ‬
إنه‮ »‬game‮ « ‬قادر علي توريطك فيه وبث الرعب في أوصالك،‮ ‬لكنه ينتهي في لحظة ليبدأ من جديد‮ ‬في مرة تالية،‮ ‬ومن نقطة الصفر‮. ‬يبرر ذلك التأكيد في نهاية الرواية علي أنها‮ " ‬تمت حتي إشعار آخر‮ "‬،‮ ‬هي تامة في هذه اللحظة لكن ليست تامة علي إطلاقها‮.‬
‮ ‬في أحد المشاهد الدالة،‮ ‬يكتب الراوي‮ " ‬باس وورد‮ " ‬ليدخل المغارة‮: ( ‬جلست علي مقعد مريح أمام باب المغارة‮. ‬نقرت علي الزر الأيسر مرتين،‮ ‬فطلع لي ملكان سألاني عن اسمي وديني وكتابي وطلبا مني كلمة السر‮. ‬عندما قدمتها انفتح أمامي شريط من نور برقت تحته كلمات‮: ‬من فضلك اكتب اسم الشخص الذي تبحث عنه ثم اطلق السهم القابع علي اليمين‮ . ‬بحثت عن‮ ‬الحروف علي المفاتيح المصفوفة‮ ..... ‬إذا كان الشخص الذي تبحث عنه موجودا‮ ‬في هذه القائمة،‮ ‬انقر علي اسمه مرتين وسنوافيك بالمعلومات والتعليمات‮.. ‬وإذا لم يكن موجودا‮ ‬فنرجو منك تضييق نطاق البحث‮ .. ) . ‬تتري مثل هذه الأداءات‮ " ‬الرقمية‮ " ‬بامتداد النص،‮ ‬وكأن مدينة النحاس تحولت إلي مكان ماضوي بشروط مستقبلية‮ . ‬هذه‮ " ‬الخفة‮ " ‬في تناول ما تم توارثه باعتباره ثقيلا‮ ‬ ولاحظ الدلالة المرجعية لمفردة‮ " ‬النحاس‮" ‬نفسها تحيل الوجود نفسه إلي واقع افتراضي‮. ‬محض نسخة من بين ملايين النسخ المتاحة والقابلة مرة بعد أخري للتعديل والتحديث‮. ‬يتسق الوجود وفق هذا التصور مع ما أسلفته عن حقيقة الوجود حيال كذب الحكي‮ . ‬الوجود نفسه لا يمنحك إلا صورته‮ ‬،‮ ‬تماما‮ ‬كما لا يمنحك الحكي إلا صورة عما يحكي عنه‮. ‬إنه سؤال ما بعد حداثي بامتياز‮: ‬سؤال الفرادة في تحولها إلي‮ ‬copy‮ ‬تصير من خلاله الأيقونة محض اسطوانة مدمجة‮.‬
‮ ‬مدينة النحاس تتعالق مع هذه الشروط،‮ ‬مقدمة ما هو أبعد من سؤال امتزاج الواقع بالخيال‮ ‬،‮ ‬لأنه لا يشكك فقط في ماهية المدرك أمام‮ ‬غير القابل للإدراك المجرد،‮ ‬بل يفكك الشروط الأساسية للإيهام كلما أسس لها‮ . ‬
‮ ‬مدينة النحاس هي إذن وفق تأويلي‮ ‬شخصي المكان الذي تعبره الأزمنة،‮ ‬وقد تجتمع فيه في لحظة،‮ ‬متجاورة،‮ ‬كل لحظة‮ ‬بشرطها المفارق للحظة المتاخمة لها‮. ‬
مدينة هي الوجود،‮ ‬ووجود هو برمته‮ " ‬آخر‮ " ‬يحكي لك مالم تر،‮ ‬ويجبرك علي كتابته ليقرأه لاحق‮ ! . ‬



طارق إمام


الثلاثاء، 16 ديسمبر 2008

رواية شديد البرودة ليلا

شديد البرودة ليلاً" قصة "غازي" و"جايل"॥ والملح على الجرح! (كلمة ظهر الغلاف)"لم لا ننهي كل شيء الليلة، نكتفي بهذا القدرعودوا لبيوتكمانسونا تماماانسوا أنكم عرفتمونا يومانحن نطهو طعامكمونربي أطفالكم وننظف ثيابكم التحتيةونتحمل فظاظتكم وقذارتكمنعدّ فراشكموندفئ ماء الاستحمام لكموندعك ظهوركم التي لا تصلها أذرعتكم الممتلئةوندير أعمالكمونغسل أموالكمونلتقط صوركمبينما تبتسمون ابتساماتكم البلهاءوننشرها في الجرائد"..هكذا يلخص الروائي الشاب "وجدي الكومي" الحال العربي في روايته الصادرة حديثا عن دار العين "شديد البرودة ليلا" و التي تعد الرواية الأولى له وإن سبقتها العديد من القصص القصيرة التي نال على معظمها الكثير من الجوائز.. وسبقتها أيضا قراءات عديدة لاتجاهات مختلفة في الرواية ليستخلص من كل هذه الاتجاهات اتجاهه الخاص وأسلوبه المميز السهل في روايته الأولى।تتناول أحداث الرواية فترة صعبة في تاريخ العالم العربي وهي فترة غزو العراق للكويت.. تلك الفترة التي كانت صدمة لجيل كامل استيقظ صباحا فوجد أن دولة عربية غارت على جارتها والعالم العربي والمجتمع الدولي يمثل دور المتفرج بمنتهى البراعة.ستصاب في الرواية بالكثير من الصدمات.. والكثير من المفاجآت المتلاحقة.. وستقابلك الكثير من المفردات الحياتية.. وإذا كنت من النوع الذي يفضّل انفصام شخصية البطل وكونه شخصا غير سويّ فستجد هذا أيضا.. وإذا كنت من النوع الذي يهتمّ بحرية التناول وحرية الحديث عن الجنس فلن يخذلك الكاتب أيضا.. باختصار: الرواية ربما تحمل لك كل ما تحتاجه من إشباع روائي.تدور الرواية حول ذلك الشاب الذي أنهى دراسته في مصر بعد أن تعرّف على "غازي" ذلك الشاب الكويتي الذي يدرس في القاهرة والذي كانت هوايته ممارسة الجنس وتصوير علاقاته المحرمة في قصره الفخم باستخدام بطل الرواية بعد أن صارا صديقين.. وبعدها سافر إلى العراق للعمل ثم عاد إلى مصر مرة أخرى ليؤدي الخدمة العسكرية الإجبارية بعد أن تهرب من خدمته ويلتحق بعدها بالقوات التي ستسافر إلى الكويت للمشاركة في حرب العراق والكويت المعروفة.. ويقفز بنا الكاتب إلى فترة أخرى في حياته بعد أن انتهت الحرب لنكتشف أن البطل قد بدأ العمل في الخليج من جديد بتوصية من "غازي".. وكان عمله عبارة عن توريد فتيات ليل إلى الخليج للعمل صوريا في دور الأزياء وخلافه من خلال توريط البنات المتقدمات في علاقات جنسية بالرغم منهن.. لإسكاتهن في ممارسة عملهن القادم.. وبالطبع لم يجد "غازي" موظفا أهلا لهذا العمل أكثر من صديقه!وبتطور الأحداث نكتشف انفصام شخصية البطل. وكيف أنه يحمل بين طياته أكثر من شخصية وذلك من جراء ما رآه في الحرب من أهوال يشيب لها الوليد.. ودائما يظل البطل في صراع دائم بين شخصياته الداخلية.. بين الحلم في داخله الذي يمثله "جايل" وبين البطل بحد ذاته الذي لا يعلم مصيره وما القوة التي تدفعه لكل ما يفعله طوال أحداث الرواية.أجاد "وجدي الكومي" حتى استخدام أسماء أبطاله كدلالات على ما تحمله من أحداث.. فقد استخدم اسم صديق البطل الكويتي الداعر "غازي" كدلالة على ما يحمله هذا الشخص للبطل من غزو فكري وأخلاقي وربما تمدد المضمون ليحمل ما يحمله مثل هذا البطل من غزو بأمواله وموبقاته للبلاد العربية المهضومة والتي ما زالت تحاول الغوص ضد تيار المال في مقابل الجسد.واستخدم اسم الشخصية الأخرى للبطل والتي يحملها داخله "جايل".. و"جايل" هو الشخص الذي يكون مع البطل في كل جولاته طوال الرواية.. في خنادق الحرب وفي الطائرة التي يستقلها ليجلب فتيات الليل من البلدان العربية الأخرى إلى الخليج.. كلما وقع البطل في لحظات ضعفه خرج "جايل" ليصبح أقوى ويكيل له الضربات الموجعة انتقاما من نفسه على ما بدر منه في حق الجميع وأولهم نفسه.. "جايل" هو الخواطر التي تجول في نفس الباطل .. هو ذلك الهاجس الذي يفسد عليه استمتاعه بما يفعله من موبقات.. هو الهاجس الذي يتحرر من كل قيود المجتمع والحياة ليخطو على خطوات ضعف صاحبه ويحقق إنجازاته التي نسيها البطل في غمار حياته العفنة.كما استخدم الكاتب اسم البطلة المجهولة التي لم تظهر في الرواية إلا من خلال ذكريات البطل "ليلى".. وكأنه أراد أن يستخدم ذلك الاسم المرتبط دوما بالحب والعشق والأمل والحلم.. وكأن "ليلى" هو ذلك الأمل والحلم الذي تركه البطل وضحّى به في سبيل استسلامه لعجزه وضعفه.(شديد البرودة ليلا) رواية أولى لروائي جديد جيد.. منحه حبه للروائيين الآخرين وأولهم "صنع الله إبراهيم" ذلك الأسلوب الملحمي والمتنقل.. الذي يجعلك دائما على موعد في كل فصل مع مفاجأة أو على الأقل سيجذبك من أول وهلة لتقرأ بانتباه شديد حيث يقذفك من زمن إلى زمن .. من البدايات إلى الحرب ومن الحرب إلى البدايات ومن الحرب إلى النهاية والعكس.. ولم يثنِ "دار العين" عن نشر الرواية رفض عمال المطبعة طبع الرواية لما تحتويه من إسقاطات ومشاهد -وإن كنت أرى من وجهة نظري أن ما بها من تجاوزات يقل كثيرا عن غيرها من الروايات الأخري- فاتجهت "دار العين" إلى مطبعة أخرى وكأنها تعلن أن الرواية الجيدة ستظهر إلى النور إن آجلا أو عاجلا. (شديد البرودة ليلا) رواية جيدة لروائي جيد.. تضع قطرات الملح على ذلك الجرح الغائر في عروبتنا.. فهل سنلتفت إلى معالجة الجرح؟ أم سنكتفي بالألم؟!