قد يبدو عنوان كتاب د. نهاد صليحة الجديد والصادر عن دار العين للنشر ، خادعاً بطريقة ما أو بأخرى ، فالكتاب الذي يحمل اسم " المرأة بين الفن والعشق والزواج ... قراءة في مذكرات فاطمة سري " لا تتحمل فصوله التسعة مسؤولية هذا العنوان ، وإنما قد ينطبق على فصلين فقط منهما هما الأول " قراءة في مذكرات فاطمة سري " والثاني " المسرح بين حضور الكلمة وغياب الجسد " ، بينما تمضي بقية الفصول لمناقشة قضايا أخرى منها "المسرح بين الضحك والكوميديا " و"رحلة أسامة أنور عكاشة في المسرح " و" المسرح بين النسبية والخلود " . إذن فهو وإن كان حتى مهتم بمناقشة قضايا معينة تخص المرأة في بعض فصوله ، فإنه يدرجها في إطار علاقتها بالمسرح .
في الفصل الأول ، تلعب صليحة دور المحقق الذي يفتش وراء أحداث قديمة ، دفنت بعض آثارها . فقد شغلتها قضية فاطمة سري _ كمغنية ومسرحية في المقام الأول _ وعلاقتها بمحمد بك الشعراوي _ ابن هدي شعراوي _ في عشرينات القرن الماضي .
وهي في بحثها لا تحاول تحري الخيوط التي قد تقود إلى إدانتها أو إلى مساندتها ، وإنما فقط تحاول أن تكشف هذه الشخصية على الملأ .
حيث تستعرض في بعض الأجزاء كيفية رؤية فاطمة لطبيعة عملها كمغنية ، هل تكن للمسرح الاحترام الكافي ، أم أنه سبوبة لأكل العيش ؟. هل تحترم الوسط الذي تعيش فيه ؟ أم تراه وسطاً مليئاً بالأوبئة تحاول أن تني بأبنائها عن الاختلاط بمريديه .
تزوجت فاطمةعرفياً من ابن هدى شعراوي الذي حاول التملص من علاقتها به ، بعد أن ولدت ابنتهما ليلى ، فكيف يعلن على الملأ زيجته بهذه المغنية التي لا تليق به . ومن هنا بدأت رحلة فاطمة في المحاكم لإثبات بنوة الطفلة لأبيها .
صليحة ترى في هذا الحادث نقطة لصالح فاطمة ، ولكنها ترجع وتتساءل هل كان هذا من أجل أبنائها ، أم من أجل التصاق اسمها بعائلة ذات حسب ونسب مثل عائلة شعراوي .
لم تتناول صليحة قضية فاطمة بمثل هذا التسطيح الذي يناسب حادثة عابرة في صفحات النجوم ، وإنما تناولته من زاوية حياة المرأة الفنانة ، في مجتمع قد لا يكن لها كل الاحترام بسبب امتهانها هذه المهنة . وكيفية تأثير أفكار هذا المجتمع على العاملات في هذا المجال بدورهن . فقد تعمل إحداهن في الفن ، ولكنها في دخيلة نفسها تراه منحطاً .
وترصد لأمثلة عديدة من رائدات المسرح المصري آنذاك مثل أمينة رزق وفاطمة رشدي ومنيرة المهدية وغيرهن ، اللذان احترما فنهما ، ولم يستسلما للأفكار الأبوية المسيطرة على المجتمع .
وفي الفصل الثاني المعنون ب " المسرح بين حضور الكلمة وغياب الجسد " ، تحلل د. نهاد صليحة النظرة الشيزوفرينية لفن المسرح ،من قبل بعض الاتجاهات التي تاره منحطاً ، بل ومن بعض المفكرين والمسرحيين أيضاً مثل توفيق الحكيم ، الذي فضل أن تقرأ مسرحياته على أن تمثل . ومثل أرسطو الذي ترى فكره متجاوباً مع منظومة القيم الأبوية في العالم العربي .وهي النظرة التي ترى في سفور المرأة " المحترمة " _أي التي تنتمي إلى الطبقى المتوسطة أو الطبقات الأعلي _ وخروجها إلى الحياة العامة ، ناهيك عن مشاركتها في النشاط المسرحي، عاراً وخطيئة .
كما تتكلم عن اتجاه " المسرح المحترم " والذي تراه مصطلح غريب ومضلل فكلمة محترم تغدو كلمة فضفاضة ، ونسبية ،ومن ثم مراوغة وملتبسة المعنى وكأنها كلمة حق يراد بها باطل . فالحديث عن فنان "يحترم " فنه ولا يبتذله ، يختلف عن الدعوة إلى مسرح محترم ، ففي الحالة الأولى يحيل التعبير إلى أصول المهنة وقواعدها ، وإلى أخلاقياتها التي تختص بإجادة العمل وإتقانه ، وتطويره بعيداً عن مغريات السوق أو ضغوط الأيديولوجيات المهيمنة . أما في الحالة الثانية ، فالعبارة تحمل ظلالاً طبقية ، وتحيل إلى مكان أنيق آمن مريح للمتعة والترفيه ، لايرتاده السوقة أو الدهماء ، ولا يجد فيه زبائنه من أواسط أو علية القوم ما يقلقهم أو يصدمهم أو يخرج عن أفكارهم المعتادة أو أنماط توقعاتهم المألوفة .
بينما في فصلها الثالث ، تترك علاقة المرأة بالمسرح لحالها ، وتتجه لتحليل الجذور التاريخية للظاهرة المونودرامية وتطوراتها .
حيث ترى الكاتبة أن هذا الظهور المفاجىء لعروض المونودراما ،وغلبة النموذج الأدبي منها على النموذج الشعبي ، هو نتيجة لحالة الإحباط والإنكسار والإحساس بالضياع التي واكبت تلك الفترة التاريخية نتيجة لهزيمة يونيو ، وانهيار الحلم الاشتركي ،وبعده حلم الوحدة العربية ،ففي ظل هذه الظروف النفسية ،اتجه فريق من المثقفين والكتاب إلى الدين بحثاً عن العزاء وعن أيديولوجية بديلة ،وانصرفت فئة أخرى إلى التعبير الفني عن أحاسيس العزلة والحصار واستحالة التواصل ،واليأس من الحلول الاجتماعية ،ووجدت الشكل الأمثل لرؤيتها هذه في النموذج المونودرامي الأدبي الذي يجسد في شكله الفني واقع عزلة الفرد وعجزه
ومن زاوية أخرى ، ترى أنه صار متنفساُ للمسرح النسوي ،الذي وجد فيه وسيلة للخروج منأسر المسرح الذي يعتمد على النصوص الدرامية ،واستراتيجية فعالة تمكن النساء من اخضاع الثقافة الأبوية .
..............
وفي فصلها المعنون ب " المسرح بين الإرسال والتلقي " ،تحاول الكاتبة سد الثغرة في الدراسات التي تطرقت إلى موضوع عمليات التلقي والتواصل في الفعل المسرحي ،حيث على كثرة ما كتب من مقالات وتأملات حول أزمة المسرح ،وظاهرة انصراف الجمهور عنه ،لا توجد دراسات علمية لجمهور المسرح .
وقامت بطرح عدة أسئلة من شأن الإجابة عليها تحديد منظور لتناول المشكلة منها:
_ إلى من يتوجه العرض برسالته؟
_ هل ما يتلقاه المتفرج في المسرح هو الرسالة المقصودة جمالياً وفنياً ؟
_ هل يبث العرض المسرحي رسالة واحدة مصدرها المرسل ، أم يبث رسائل منوعة إلى جمهور منوع ، يختلف في درجة كفاءة الاستقبال والوضع الاجتماعي والثقافي .
....
بينما تعارض في الفصل المعنون ب" المسرح بين النسبية والخلود " وصف النقاد لبعض الأعمال الدرامية بأنها أعمال خالدة فيقال مثلاً " رائعة شكسبير الخالدة " وترى أن هذا الوصف ملىء بالزيف ،وتمضي لشرح أسباب هذا الزيف فأولا هو يتجاهل حقيقة هامة ،وهي أن العواطف الإنسانية لا توجد في فراغ ، بل يتم استشفافها من خلال ممارسات اجتماعية وحضارية تجسدها وتحورها.وثانياً هذه الفرضية وهي أن أن هذه الأعمال تفرض نفسها على العالم دون وسيط، وتغفل عمداً الدور الذي يلعبه الموصِّل في فرض هذه الأعمال .وفي هذا الإغفال تجاهل متعمد لحقائق التاريخ ،فهل كان شكسبير ليفرض نفسه علينا بهذه الصورة لو لم تكن انجلترا قد استعمرت أكثر من نصف العالم في القرن التاسع عشر ؟
أما السبب الثالث فيكمن في التسليم الخاطىء بأن هذا العمل الفني يحوي معنى ثابتاً لا يتغير ،يضعه الفنان بحيث يضمن له الخلود .
وهي ترى أن سبب خلود كاتب مثل " وليام شكسبير " هو أن أعماله تعرضت لنوع من التناول الجدلي من قبل المخرجين في كل أنحاء العالم ،حيث فسرت أعماله في ضوء الفلسفة الاشتراكية والوجودية وفي ضوء النظرية الليبرالية ،ونظريات فرويد ويونج في علم النفس ،وعلم الأنثروبولوجيا ،وفي إطار التيارات الثورية في عدد من البلاد . وليس لكون أعماله عظيمة في حد ذاتها .
كما تتطرق بالتحليل لموجةالمباشرة والتقرير التي تجتاح المسرح الآن ،وما يتبعه من شيوع كلمة " الاسقاط " في النقد المسرحي ، فهي على عكس الآراء المعتادة ، لاترى أن السبب يعود إلى شدة الرقابة بقدر ما يعود إلى تضارب التيارات الفكرية وتخبطها ،وعدم وضوح الرؤية . إذ حين ينتفي إطار الدلالة الواضح المشترك ، يحاول كل تيار فكري أن ينظر إلى العمل الفني باعتباره دعوة لصالحه وإسقاطاً لرؤيته . كذلك يصبح رد العمل الدرامي إلى وقائع محددة ومعروفة للجميع أو شخصيات أو فترة بعينها هو أسهل وسيلة للتفسير وأبسطها وأكثرها تسطحاً .
.....
وفي الفصل الخاص ب دراسة المسرح بين الضحك والكوميديا ،ترى د. نهاد صليحة أن معظم نتاج الكوميديا العربية قائم على التنفيس ،سواء اتخذ هذا التنفيس شكل كسر التابوهات الأخلاقية ( في صورة الثورة على التقاليد أو الإشارات الجنسية أوالإباحية اللفظية ) أو اتخذ شكل الفكاهة العدوانية .
وهي لا تتخذ موقفاً معارضاً لهذا المسرح ، أو حتى متحفظأً عليه ، بل على العكس فإنها ترى فيه طريقة للتشكيك في اعتيادية الأنظمة التراتبية والأدوار الاجتماعية وسلطتاه وكذلك في النظر إليها باعتبارها قوانين طبيعية أو حقائق أزلية ، ولكنها في نفس الوقت ترى أن حدوث هذه الاحتفالات الكرنفالية في أوقات ومناطق معينة ، يحددها النظام ، قد يكون مريباً ، بل ويجعل البعض يتشكك في فاعليتها .
وفي فصلها الأخير تتعرض للتجربة المسرحية للكاتب التلفزيوني الأصل " أسامة أنور عكاشة " حيث تقدم رؤية لمسرحياته بداية من " الناس اللي في التالت " إلى " ولاد اللذينة " .
.....
ومن خلال هذا العرض يمكننا تبين أن د. نهاد صليحة في كتابها ، لا تحاول أن تعرض ما هو معروف سلفاً ومحفوظ عن القضايا التي طرحتها ، بل تحاول تقديم رؤية خاصة بها ، وتعرض في ثناياها بعض الآراء الأخرى ، تتفق مع بعضها وتفند الأخرى .
كما يتميز طرحها بالشمولية النسبية ، حيث تحاول تتبع تاريخ كل ظاهرة أو موضوع تتحدث فيه ، لتضع القارء في سياق الفكرة المناسب ، ليكون ملماً بتطوراتها المحتلفة ، ليقف على الأسباب والنتائج ، ويكون له بدوره هو الآخر رؤيته الخاصة .
صليحة التي خدعنا عنوان كتابها في البداية ، والتي استترت فيه كل هذه الدراسات تحت اسم " ودراسات أخرى " في العنوان ، تقدم كتاب مهم وحيوي لكل مهتم بالمسرح العربي ، بل وتطرح في بعض الفصول حلولاً للخروج من أزمته الحالية .
في الفصل الأول ، تلعب صليحة دور المحقق الذي يفتش وراء أحداث قديمة ، دفنت بعض آثارها . فقد شغلتها قضية فاطمة سري _ كمغنية ومسرحية في المقام الأول _ وعلاقتها بمحمد بك الشعراوي _ ابن هدي شعراوي _ في عشرينات القرن الماضي .
وهي في بحثها لا تحاول تحري الخيوط التي قد تقود إلى إدانتها أو إلى مساندتها ، وإنما فقط تحاول أن تكشف هذه الشخصية على الملأ .
حيث تستعرض في بعض الأجزاء كيفية رؤية فاطمة لطبيعة عملها كمغنية ، هل تكن للمسرح الاحترام الكافي ، أم أنه سبوبة لأكل العيش ؟. هل تحترم الوسط الذي تعيش فيه ؟ أم تراه وسطاً مليئاً بالأوبئة تحاول أن تني بأبنائها عن الاختلاط بمريديه .
تزوجت فاطمةعرفياً من ابن هدى شعراوي الذي حاول التملص من علاقتها به ، بعد أن ولدت ابنتهما ليلى ، فكيف يعلن على الملأ زيجته بهذه المغنية التي لا تليق به . ومن هنا بدأت رحلة فاطمة في المحاكم لإثبات بنوة الطفلة لأبيها .
صليحة ترى في هذا الحادث نقطة لصالح فاطمة ، ولكنها ترجع وتتساءل هل كان هذا من أجل أبنائها ، أم من أجل التصاق اسمها بعائلة ذات حسب ونسب مثل عائلة شعراوي .
لم تتناول صليحة قضية فاطمة بمثل هذا التسطيح الذي يناسب حادثة عابرة في صفحات النجوم ، وإنما تناولته من زاوية حياة المرأة الفنانة ، في مجتمع قد لا يكن لها كل الاحترام بسبب امتهانها هذه المهنة . وكيفية تأثير أفكار هذا المجتمع على العاملات في هذا المجال بدورهن . فقد تعمل إحداهن في الفن ، ولكنها في دخيلة نفسها تراه منحطاً .
وترصد لأمثلة عديدة من رائدات المسرح المصري آنذاك مثل أمينة رزق وفاطمة رشدي ومنيرة المهدية وغيرهن ، اللذان احترما فنهما ، ولم يستسلما للأفكار الأبوية المسيطرة على المجتمع .
وفي الفصل الثاني المعنون ب " المسرح بين حضور الكلمة وغياب الجسد " ، تحلل د. نهاد صليحة النظرة الشيزوفرينية لفن المسرح ،من قبل بعض الاتجاهات التي تاره منحطاً ، بل ومن بعض المفكرين والمسرحيين أيضاً مثل توفيق الحكيم ، الذي فضل أن تقرأ مسرحياته على أن تمثل . ومثل أرسطو الذي ترى فكره متجاوباً مع منظومة القيم الأبوية في العالم العربي .وهي النظرة التي ترى في سفور المرأة " المحترمة " _أي التي تنتمي إلى الطبقى المتوسطة أو الطبقات الأعلي _ وخروجها إلى الحياة العامة ، ناهيك عن مشاركتها في النشاط المسرحي، عاراً وخطيئة .
كما تتكلم عن اتجاه " المسرح المحترم " والذي تراه مصطلح غريب ومضلل فكلمة محترم تغدو كلمة فضفاضة ، ونسبية ،ومن ثم مراوغة وملتبسة المعنى وكأنها كلمة حق يراد بها باطل . فالحديث عن فنان "يحترم " فنه ولا يبتذله ، يختلف عن الدعوة إلى مسرح محترم ، ففي الحالة الأولى يحيل التعبير إلى أصول المهنة وقواعدها ، وإلى أخلاقياتها التي تختص بإجادة العمل وإتقانه ، وتطويره بعيداً عن مغريات السوق أو ضغوط الأيديولوجيات المهيمنة . أما في الحالة الثانية ، فالعبارة تحمل ظلالاً طبقية ، وتحيل إلى مكان أنيق آمن مريح للمتعة والترفيه ، لايرتاده السوقة أو الدهماء ، ولا يجد فيه زبائنه من أواسط أو علية القوم ما يقلقهم أو يصدمهم أو يخرج عن أفكارهم المعتادة أو أنماط توقعاتهم المألوفة .
بينما في فصلها الثالث ، تترك علاقة المرأة بالمسرح لحالها ، وتتجه لتحليل الجذور التاريخية للظاهرة المونودرامية وتطوراتها .
حيث ترى الكاتبة أن هذا الظهور المفاجىء لعروض المونودراما ،وغلبة النموذج الأدبي منها على النموذج الشعبي ، هو نتيجة لحالة الإحباط والإنكسار والإحساس بالضياع التي واكبت تلك الفترة التاريخية نتيجة لهزيمة يونيو ، وانهيار الحلم الاشتركي ،وبعده حلم الوحدة العربية ،ففي ظل هذه الظروف النفسية ،اتجه فريق من المثقفين والكتاب إلى الدين بحثاً عن العزاء وعن أيديولوجية بديلة ،وانصرفت فئة أخرى إلى التعبير الفني عن أحاسيس العزلة والحصار واستحالة التواصل ،واليأس من الحلول الاجتماعية ،ووجدت الشكل الأمثل لرؤيتها هذه في النموذج المونودرامي الأدبي الذي يجسد في شكله الفني واقع عزلة الفرد وعجزه
ومن زاوية أخرى ، ترى أنه صار متنفساُ للمسرح النسوي ،الذي وجد فيه وسيلة للخروج منأسر المسرح الذي يعتمد على النصوص الدرامية ،واستراتيجية فعالة تمكن النساء من اخضاع الثقافة الأبوية .
..............
وفي فصلها المعنون ب " المسرح بين الإرسال والتلقي " ،تحاول الكاتبة سد الثغرة في الدراسات التي تطرقت إلى موضوع عمليات التلقي والتواصل في الفعل المسرحي ،حيث على كثرة ما كتب من مقالات وتأملات حول أزمة المسرح ،وظاهرة انصراف الجمهور عنه ،لا توجد دراسات علمية لجمهور المسرح .
وقامت بطرح عدة أسئلة من شأن الإجابة عليها تحديد منظور لتناول المشكلة منها:
_ إلى من يتوجه العرض برسالته؟
_ هل ما يتلقاه المتفرج في المسرح هو الرسالة المقصودة جمالياً وفنياً ؟
_ هل يبث العرض المسرحي رسالة واحدة مصدرها المرسل ، أم يبث رسائل منوعة إلى جمهور منوع ، يختلف في درجة كفاءة الاستقبال والوضع الاجتماعي والثقافي .
....
بينما تعارض في الفصل المعنون ب" المسرح بين النسبية والخلود " وصف النقاد لبعض الأعمال الدرامية بأنها أعمال خالدة فيقال مثلاً " رائعة شكسبير الخالدة " وترى أن هذا الوصف ملىء بالزيف ،وتمضي لشرح أسباب هذا الزيف فأولا هو يتجاهل حقيقة هامة ،وهي أن العواطف الإنسانية لا توجد في فراغ ، بل يتم استشفافها من خلال ممارسات اجتماعية وحضارية تجسدها وتحورها.وثانياً هذه الفرضية وهي أن أن هذه الأعمال تفرض نفسها على العالم دون وسيط، وتغفل عمداً الدور الذي يلعبه الموصِّل في فرض هذه الأعمال .وفي هذا الإغفال تجاهل متعمد لحقائق التاريخ ،فهل كان شكسبير ليفرض نفسه علينا بهذه الصورة لو لم تكن انجلترا قد استعمرت أكثر من نصف العالم في القرن التاسع عشر ؟
أما السبب الثالث فيكمن في التسليم الخاطىء بأن هذا العمل الفني يحوي معنى ثابتاً لا يتغير ،يضعه الفنان بحيث يضمن له الخلود .
وهي ترى أن سبب خلود كاتب مثل " وليام شكسبير " هو أن أعماله تعرضت لنوع من التناول الجدلي من قبل المخرجين في كل أنحاء العالم ،حيث فسرت أعماله في ضوء الفلسفة الاشتراكية والوجودية وفي ضوء النظرية الليبرالية ،ونظريات فرويد ويونج في علم النفس ،وعلم الأنثروبولوجيا ،وفي إطار التيارات الثورية في عدد من البلاد . وليس لكون أعماله عظيمة في حد ذاتها .
كما تتطرق بالتحليل لموجةالمباشرة والتقرير التي تجتاح المسرح الآن ،وما يتبعه من شيوع كلمة " الاسقاط " في النقد المسرحي ، فهي على عكس الآراء المعتادة ، لاترى أن السبب يعود إلى شدة الرقابة بقدر ما يعود إلى تضارب التيارات الفكرية وتخبطها ،وعدم وضوح الرؤية . إذ حين ينتفي إطار الدلالة الواضح المشترك ، يحاول كل تيار فكري أن ينظر إلى العمل الفني باعتباره دعوة لصالحه وإسقاطاً لرؤيته . كذلك يصبح رد العمل الدرامي إلى وقائع محددة ومعروفة للجميع أو شخصيات أو فترة بعينها هو أسهل وسيلة للتفسير وأبسطها وأكثرها تسطحاً .
.....
وفي الفصل الخاص ب دراسة المسرح بين الضحك والكوميديا ،ترى د. نهاد صليحة أن معظم نتاج الكوميديا العربية قائم على التنفيس ،سواء اتخذ هذا التنفيس شكل كسر التابوهات الأخلاقية ( في صورة الثورة على التقاليد أو الإشارات الجنسية أوالإباحية اللفظية ) أو اتخذ شكل الفكاهة العدوانية .
وهي لا تتخذ موقفاً معارضاً لهذا المسرح ، أو حتى متحفظأً عليه ، بل على العكس فإنها ترى فيه طريقة للتشكيك في اعتيادية الأنظمة التراتبية والأدوار الاجتماعية وسلطتاه وكذلك في النظر إليها باعتبارها قوانين طبيعية أو حقائق أزلية ، ولكنها في نفس الوقت ترى أن حدوث هذه الاحتفالات الكرنفالية في أوقات ومناطق معينة ، يحددها النظام ، قد يكون مريباً ، بل ويجعل البعض يتشكك في فاعليتها .
وفي فصلها الأخير تتعرض للتجربة المسرحية للكاتب التلفزيوني الأصل " أسامة أنور عكاشة " حيث تقدم رؤية لمسرحياته بداية من " الناس اللي في التالت " إلى " ولاد اللذينة " .
.....
ومن خلال هذا العرض يمكننا تبين أن د. نهاد صليحة في كتابها ، لا تحاول أن تعرض ما هو معروف سلفاً ومحفوظ عن القضايا التي طرحتها ، بل تحاول تقديم رؤية خاصة بها ، وتعرض في ثناياها بعض الآراء الأخرى ، تتفق مع بعضها وتفند الأخرى .
كما يتميز طرحها بالشمولية النسبية ، حيث تحاول تتبع تاريخ كل ظاهرة أو موضوع تتحدث فيه ، لتضع القارء في سياق الفكرة المناسب ، ليكون ملماً بتطوراتها المحتلفة ، ليقف على الأسباب والنتائج ، ويكون له بدوره هو الآخر رؤيته الخاصة .
صليحة التي خدعنا عنوان كتابها في البداية ، والتي استترت فيه كل هذه الدراسات تحت اسم " ودراسات أخرى " في العنوان ، تقدم كتاب مهم وحيوي لكل مهتم بالمسرح العربي ، بل وتطرح في بعض الفصول حلولاً للخروج من أزمته الحالية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق