الاثنين، 11 أغسطس 2008

حواديت الآخر ... مع طارق إمام وسيد محمود وفاروق عبد الوهاب





البحث عن التناص بين رواية " حواديت الآخر " و بين ألف ليلة وليلة ، كان العنصر المشترك بين جميع المناقشين لرواية حسام فخر الجديدة " حواديت الآخر " وذلك في الندوة التي عقدنها دار العين لمناقشتها .
أدار الندوة أ. سيد محمود ، وتحدث فيها كل من د. فاروق عبد الوهاب ، المترجم والأستاذ بجامعة شيكاغو بالإضافة إلى الناقد والروائي طارق إمام . الذي بدأ قراءته النقدية للرواية ، من غلافها ، وتحديداً العنوان ، حيث أعطته كلمة " حواديت " ، إحساس مبدئي أنه لن يكون أمام رواية بالمعنى التقليدي ، بل أمام نثارات من الحكي تتضافر لتكون نص .
وليؤكد أن الرواية بها هضم واضح للتراث الشرقي ، بدأ يعدد أوجه التشابه بينها وبين ألف ليلة وليلة فهي :
أولاً : تحتوي على فكرة الشخص ، الذي يقوم برحلة ، ويكتشف من خلالها المقولات الأساسية في الحياة .
وثانياً : فكرة الشخص الذي يحكي لشخص آخر ، وهي الحيلة الأساسية التي اتكأ عليها الراوي ، حيث أكد من البداية أن ما يقوله ليس كلامه الشخصي ، بل هو ملقي عليه ، ليوصله بعد ذلك للناس .
ثالثاً : فكرة توالد الحكايات من بعضها البعض .
ثم انتقل إمام ، للحديث عن علاقة الراوي بالآخر . حيث تسود التعمية والتغييب على شخصيهما ، فهما غير مسميين .
كما أن هناك تساؤلاً يخص اختيار الآخر لهذا الراوي تحديداً ، رغم عدم امتلاكه صفات مميزة . مما يقود إلى نتيجة مفادها أن الرواية قائمة على تغريب طرفيها الأساسيين . وهناك جملة مفتاح في الرواية هي " أنا لا ذهبت إلى مدينة النحاس ، ولا رأيت ولا سمعت ، ما أنا إلا رسول وما على الرسول إلا البلاغ". مما يحيل مرة أخرى إلى ألف ليلة وليلة ، تحديداً قصة السندباد البحري وشيخ البحر ، الذي امتطى كتفي السندباد ، وحمله في رحلة شاقة . وبدأ إمام يعدد صفات السندباد ليقف على تشابهه مع الراوي . فهو مغرم بالرحلة ، و لا يُعرف إلا حين يغادر ، حيث لا يصل لأي إجابة في حياته سوى بالخروج ، ولا تحمل حياته أي معنى ، حين يستقر في وطنه .
إذن فسؤال الخروج مسيطر ومهيمن على جو الرواية رغم أنه يصل لنفس الإجابة التي وصل لها شاعر الإسكندرية وهي " لا تأمل في بقاع أخرى، ما من سفين من أجلكوما من سبيل .. ما دمت قد خربت حياتك هنافي هذا الركن الصغير .. فهي خراب أينما كنت في الوجود" .
فالأرض الجديدة ليست يوتوبيا كما يتصور المهاجرون الجدد ، بل ستصبح القدر الذي لا مفر منه . وهنا المفارقة ففي حين يمكنك الإفلات من وطنك القديم ، فلن تستطيع الخروج من المدينة الجديدة مرة أخرى ، بل ستعود إليها مرة بعد أخرى مهما حاولت .
وهناك فكرة تقول " إذا خرجت مرة ستظل أسير هذا الخروج إلى الأبد ".

كما أن فكرة الاختيار تقاسم فكرة الخروج في السيطرة على الجو العام في الرواية . فالبطل دائماً بين اختيارين ، كلاهما صعب فإما أن يسترد حريته وتعدم روحه ، أو يسترد روحه ويبقى سجيناً . وفي كل الأحوال سيبقى أسير قدره .
كما طرح إمام مجموعة من التساؤلات خاصة بالراوي . فكيف يملك هذا الآخر هذه القدرة وهذه السيطرة على الراوي ، رغم أن من خلفيته نعرف أنه الطفل الثالث والأغبى بعد أخوين ذكيين ، بينما هو الأكثر فشلاً فيهم . فكيف يكون بهذا الضعف ، وله كل هذه السلطة على الراوي .
كما أن الرواية التي تتكون من جزأين ، تتطور فيها علاقة الراوي بالآخر من الجزء الأول حيث يكون الراوي مضطر لتحمل الآخر ، بينما في الجزء الثاني ، يتوحد الراوي معه ، ويترجاه في نهاية الرواية ألا يكون هذا نهاية المطاف بينهما .
......................
أما على مستوى الأداء اللغوي ، فإنه جاء مطابقاً للطريقة التي يتم بها خلق العالم في النص . فمثلاً مدينة النحاس ، شعرت أنها مدينة قديمة بعثت على شاشة كمبيوتر ، فأنت تطالع عالم أسطوري ولكنه هنا 3D ، لنجد أن المغارة أخذت شكل تقني ، ويتم فتح باب الكهف ، بالضغط على زر .
وهذا المزج ، نجده على مستوى اللغة أيضاً ، فلغة الآخر هنا لغة تراثية ، مشبعة بالسجع ، وفي طياتها هناك العبارة المغرقة في عاميتها مثل " ضربه بالقلم " فهناك اعتداد باللغة العامية في شتى أشكالها ، موازي لهضم جيد للتراث الشرقي .
ويضيف إمام ، أن هذا النص لا يبغي مناقشة لحظة راهنة ، رغم إن هناك إشارات كثيرة للمرحلة ، ولكنه يبغي الخروج بمناقشات أشمل وموضوعات شمولية .
ويختم إمام مداخلته ، بالحديث عن نقطة ، ارتكاز الحواديت على بعضها البعض ، حيث كل حدوتة خارجة من رحم الأخرى ، والحكى مرتبط في التراث بالموت ، فإذا نجحت بالإفلات بحكايتك ، ستنجح في الإفلات بحياتك . وهنا الحكاية لا تنقذ راويها بل تنقذ المستمع إليها . مما يدفع للتساؤل عن السلطة التي يملكها هذا الآخر الذي يحكي حكايته . ففي ألف ليلة ولية كان المستمع هو الذي يملك سلطة سواء كان ملك أو كبير القوم أو ما شابه . أما هنا لا نعرف شيئاً عن سلطة هذا الأخر .

.............
أما د. فاروق عبد الوهاب فيبدأ حديثه بالتعقيب على كلام إمام حول امتزاج مستويين من اللغة حيث يقول " أن العبارات العامية التي دخلت النص لا تضره ، بالعكس فإنها " تُفصح " ، كما أن لها ميزة أخرى وهي أنها تقربنا من جو الحكايات .
كما يعلق بدوره على العنوان ، ولكن من زاوية أخرى ، حيث لفت نظره أن كلمة الآخر مكتوبة بين علامتي تنصيص ، مما يضفي معنى على شخصية الآخر ، بأنه شيطان الكاتب الذي يقطن داخله ، ويركبه فعلا ً .
ويؤكد د. عبد الوهاب ، أن النص لا يقتبس فقط من جو ألف ليلة وليلة ، بل إنه يعرج على العديد من الأشكال التراثية الأخرى ومنها المقامات .
ويمثل د. عبد الوهاب ، لقضية امتزاج الماضي التراثي بالحاضر التكنولوجي عند الكاتب ، فعندما يذهب الآخر لقبيلة الهنود الحمر ، يعطيه أحدهم محمولاً منوهاً إياه أنه بإمكانه استخدامه مرة واحدة فقط ، فيطلب الآخر منه بدوره حبالاً ومرآة ، ليحاول دخول العالم السحري من خلال المحمول .
وفي محاولة لفك الرموز التي تحفل بها الرواية ، يقول د. عبد الوهاب ، أن مدينة النحاس في ألف ليلة وليلة كانت مدينة جميلة بها كل الكنوز ، ولكن أهلها جميعهم كانوا ميتين ، مما يدلل على أنها ربما تكون في الرواية ، مدينة نيويورك .
وفي رأيه فإن حسام فخر يكتب أدباً ، وهو ليس كالإنتاج الأدبي الغزير هذه الأيام الذي لا يسمن ولا غيني من جوع ، ولكنه الأدب الذي يسمح لنا بالرجوع إليه ، وقراءته مرة بعد أخرى ، عكس الأدب السائد هذه الأيام الذي يقرأه الإنسان ثم ينساه بسهولة .
....
وفي مداخلة لد. كريمة الحفناوي ، أكدت بدورها أن حسام فخر "شرب " تراثه الشرقي ، وأعاد إنتاجه ولكن بدون " فذلكة " . وقالت أنها أسمت الجزء الأول من العمل " فقدان الروح " بينما أسمت الثاني " عودة الروح " حيث فيه نكتشف أن هذا العالم الذي كنا مبهورين به ما هو إلا سراب . والحلم الأمريكي ما هو إلا وهم ، ففي الرواية ، يسلب السجان روح الآخر ، وعندما يفكر مرة أخرى في استعادتها حسب القانون ، يقومون بتغيير القانون نفسه في أربعة وعشرين ساعة ليضيفوا بنداً يقول أن الاستعادة ممكنة ولكن بشرط أن يتم التقدم بطلب في خلال 21 يوم من تاريخ استئصالها ، وهذا البند تم تزوير تاريخ إضافته ليكون قبل يوم واحد من مطالبة البطل استعادة روحه .
فهنا تظهر الدولة التي تدعي الديموقراطية ، على حقيقتها ، حيث تتدخل في حياة الأشخاص بدعوى حمايتهم من الخطر . وفي هذا تستخدم الديموقراطية ، في أسوأ استعمالاتها .
....
أما أ . أمين حداد ، فقد علق على الاختلاف بين جزئي العمل ، كنتيجة لاختلاف وقت كتابتهما ، وهو يرى أن مستوى الجزء الثاني أعلى ، حيث ظهر استخدام فخر للمصطلحات التكنولوجية الجديدة ، وظهر كيف ضفرها في ثنايا الشكل الأسطوري الذي يهيمن على الرواية .
...
بينما علق أ . أحمد الخميسي ، على كلمة قالها د. عبد الوهاب بأن قراءة هذه الرواية مثل أكل " المنبار " ، حيث قال "أن هناك جو شعبي عند هذا الكاتب نفتقده هذه الأيام ، حيث انغلقت أجواء الروايات على مناخ المثقفين ، فلم نعد نرى شخصيات الليلة الكبيرة وما شابه .
كما علق على كلمة أخرى لد. عبد الوهاب ، بأن الرواية بعد حذف عبارات منها ، تكون صالحة للأطفال ، حيث قال بأن " الفنان يرى العالم بعيون طفل ، وحسام فخر سهل ، فهو نجا من قول تيودوروف بأن " الأدب في خطر ، لأن الناس تلهث وراء الشكل " .
....
وعن اهتمامه باللغة ، قال حسام فخر " أنا رجل أكل عيشي من اللغة ، سواء الترجمة أو الكتابة ، كما أن اهتمامي بالأدب يزيد من اهتمامي باللغة " . ونوه فخر إلى مشكلة عدم اعتدادنا بلغتنا العربية ، ف" لو ممثل في أي دولة فعل بلغته ما يفعله المندوبون العرب في المحافل الدولية بلغتهم ، لطرد من وظيفته وسجن " .
كما علق على قضية تطوير اللغة العربية ، حيث قال بأنه في كل مرة ترتفع الأصوات منادية ، بتطوير اللغة لتواكب العصر ، يطلع علينا من يقولون أننا بهذا نهدم قدسية اللغة .
وتعليقاً على كلام د. كريمة الحفناوي ، أكد فخر أن الغربة هنا ليست غربة مكانية ، بل هي غربة نفسية في الأساس . فأنا في نيويورك عندما أتذكر قصيدة كفافيس التي يقول فيها " توجه إلى النافذة بثبات وقل لها وداعاً أيتها الإسكندرية " أخرج إلى شوارع نيويورك التي أعرفها معرفتي لخطوط كفي ، أبحث فيها عن روحي ، بين الأبراج والناس والجنسيات ولا أجدها . آتي هنا إلى مصر ، أمشي في شوارعها التي كنت أحفظها وأعرفها معرفتي لخطوط الكف ، أبحث عن روحي في المقاهي ، وفي بيوت أصدقائي ، وفي رائحة الشوارع ولا أجدها . الغربة عندي غربة مطلقة ، فلا روحي هنا أو هناك .
وفي رد على سؤال وجهه له طارق إمام ، حول تدوينه لتواريخ كتابة الجزأين ، مع أنه كان من الممكن ألا يفعل ذلك ، على اعتبار أنها رواية واحدة ، قال فخر ، بأنه هناك إجابتين إحداهما دبلوماسية والأخرى هي الحقيقية ، أما الدبلوماسية فتقول أن ذلك من باب توخي الدقة ، أما الحقيقية ، فهي أنني كنت سأقع في مأزق أخلاقي وفني ، وهي أن أعدل في شيء سبق ونشرته قبل ذلك ، كقصة قصيرة في مجموعتي القصصية " أم الشعور " ، وبهذا أتدخل في عمل الشاب ابن السادسة والعشرين ، وأفرض عليه حكمة الكهل المقارب للخمسين .
وإكراماً لهذا الشاب الذي كانه ، أخذ فخر يقرأ حدوتة " سلسلة المفاتيح " التي كتبها الشاب ابن السادسة والعشرين ، والتي يظهر فيها حنينه وتوجعه من وطنه في نفس الوقت .
..........
أ‌। حسام فخر : مهاجر للولايات المتحدة ، ويعمل كمترجم في الأمم المتحدة .


أ। سيد محمود : الصحفي ، والمشرف على الصفحة الثقافية بجريدة " البديل "
أ . طارق إمام : ناقد وروائي ، وصاحب رواية " هدوء القتلة " .
د. فاروق عبد الوهاب : مترجم ، وأستاذ بجامعة شيكاغو . ولعب دوراً في خدمة الأدب العربي في الولايات المتحدة ، وتعريف الجمهور هناك بهذا الأدب والعكس .

هناك تعليق واحد:

هشام الصباحي يقول...

جميل هذا التجمع والكلام