مما لا ريب فيه أن الموقع السياسي للمؤلف يرفع من أهمية المذكرات. هذا ما حدث مثلا عند صدو
ر كتاب (خمسون عاماً في الرمال المتحركة) الذي يرى كثير من القراء أنه "من الكتب القليلة الموثقة والرصينة عن التاريخ السياسي لليمن الحديث"، لأنه من تأليف أحد الرموز السياسية اليمنية المهمة في العقود الأخيرة: السياسي والدبلوماسي المحنك محسن العيني الذي شغل منصب رئيس وزراء ووزير خارجية وسفير لبلاده مرات عدة، وذلك على الرغم من أن المؤلف نفسه كان حذراً وردد أنه لا يهدف في مذكراته إلى كتابة التاريخ.
فهو يقول في السطور الأولى من الكتاب:" هذه ليست قصة الحركة الوطنية اليمنية، ولا قصة الثورة والجمهورية ولا قصة الوحدة، ولا قصة القديم والجديد في اليمن، ولا قصة العلاقات بين جنوب اليمن وشماله، ولا قصة الشباب والمشايخ والضباط إنها قصة من لا يزعم انه مناضل أو زعيم سياسي أو دبلوماسي. قصة مواطن عادي، وجد نفسه في قلب أحداث، لا خيار له في خوضها أو البعد عنها وتجنبها. مواطن وجد نفسه في مواقع مختلفة، فحاول أن يكون صادقا وأن يقدم خير ما في نفسه، وقد أكرمه الله فحماه من الاعتقال والسجن والتعذيب والامتهان. وقد ترددت في الكتابة لأن كثيرين لا يقرأون. والذين يقرأون يحبون أن يقرأوا ما يوافق هواهم، وإذا قرأوا شيئا آخر فليسوا على استعداد للتفكير فيه، وتفهمه والتسامح مع كاتبه".
ويقول محسن العيني في المقابلة التي أجرتها معه قناة الجزيرة بتاريخ 11/1/2003 "ذكرت أكثر من مرة في المقدمة أنني لا أقصد بهذا تاريخاً، لا للثورة اليمنية، ولا للحركة العربية". وفي الحقيقة يبدو لنا أن العيني يفعل هنا ما فعلته مديرة المدرسة التي أرادت أن تنتقد لباس إحدى تلميذاتها قائلة لها: "لا أريد أن أتدخل في طريقة لبسك التي أرى أنها من الأمور الخاصة، لكن اسمحي لي أن ألفت انتباهك إلى أن البنطلون الجينز الذي تلبسينه لا يليق بهذا المقام".
في الصفحات الأولى من الكتاب "يمر العيني مرور الكرام" على طفولته فيروي، في خمس صفحات، مولده في قرية قريبة من صنعاء في أسرة متواضعة بسيطة، وموت أمه وهو في السابعة من عمره، ثم موت أبيه وشقيقه الأكبر، وانتقاله إلى صنعاء حيث تبدأ حياته في دار الأيتام.
وبفضل تفوقه في الدراسة اختير ضمن بعثة تعليمية للدراسة في بيروت. وفي طريق سفرهم إلى هناك مروا بعدن. ويتحدث عن أيام إقامته فيها قائلاً "فوجئنا فور وصولنا بوجود الأستاذين احمد محمد نعمان ومحمد محمود الزبيري زعيمي اليمنيين الأحرار، وقد سبق أن سمعنا عنهما وقرأنا ما يكتبانه شعرا ونثرا، تنديدا بالإمام وحكمه وظلمه ودعوتهما إلى الإصلاح واستنهاض الشعب وإيقاظه. وقد ذهبنا معهما إلى دار السينما للمرة الأولى في حياتنا وشاهدنا فيلم (عنتر وعبلة) ولم ننم بعد ذلك أياما إعجابا وذهولا".
ثم يبدأ محسن العيني في سرد بدايات التمرد على النظام الإمامي ثم تجربة السنوات الأولى للثورة اليمنية ودوره في البحث عن الدعم في الداخل والخارج. كما يرصد المرات العديدة التي عيّن فيها رئيسا للوزراء أو وزيرا للخارجية أو سفيرا. وقد أتاحت له تلك المناصب فرصة أن يرى العالم، ويشاهد تجارب مختلفة، ويلتقي بقيادات عربية وعالمية مثل عبد الناصر والملك فيصل وجواهر لال نهرو وانديرا غاندي وجون كيندي.ويتحدث العيني كذلك عن التركيبة الاجتماعية لليمن ودور القبائل وفقر البلاد، والأمية والقات....
وعلى الرغم من أن (خمسون عاما في الرمال المتحركة) يحفل بكثير من التفاصيل المتنوعة فقد رأى بعض القراء أن مذكرات محسن العيني السياسية لم تحتوي على أسرار أو تفاصيل جديدة حول اليمن، وأن أهميتها الرئيسة تكمن في أنها تقدم تاريخ الثورة اليمنية من خلال رؤية معينة. وقد ردّ محسن العيني على محاوريه خالد حروب وعلي محسن حميد أنه قد كتب "مذكراته السياسية" بإيجاز شديد. ويقول (في لقائه بقناة الجزيرة بتاريخ11/1/2003) "فأنا كتبت الكتاب بهذا الروح، أما لو توسعت فكان ممكن ألا ننتهي إلى شيء، ولهذا فكثير من القراء وكثير من الإخوان يلومونني لأنني لم أفصح عن قضايا كثيرة".
لهذا يمكننا القول إن كتاب (خمسون عاما في الرمال المتحركة)، شأنه شأن معظم المذكرات لا يركز على حياة المؤلف الخاصة، فهو رحلة عبر تاريخ اليمن السياسي الحديث بشكل عام، الذي كان للسياسي محسن العيني دور مهم فيه. ومع ذلك، إذا كان العيني قد استطاع أن يسلط الضوء على أهم منعطفات تلك الحقبة التاريخية فهو قد اكتفى بالعرض ولم يحاول في اعتقادي أن يمارس المراجعة التحليلية العميقة والنقدية (بما في ذلك الذاتية) لتجربة اليمن في بناء الدولة الحديثة. لهذا يبدو لي أن كتاب العيني يقترب من الرصد التاريخي للأحداث
فهو يقول في السطور الأولى من الكتاب:" هذه ليست قصة الحركة الوطنية اليمنية، ولا قصة الثورة والجمهورية ولا قصة الوحدة، ولا قصة القديم والجديد في اليمن، ولا قصة العلاقات بين جنوب اليمن وشماله، ولا قصة الشباب والمشايخ والضباط إنها قصة من لا يزعم انه مناضل أو زعيم سياسي أو دبلوماسي. قصة مواطن عادي، وجد نفسه في قلب أحداث، لا خيار له في خوضها أو البعد عنها وتجنبها. مواطن وجد نفسه في مواقع مختلفة، فحاول أن يكون صادقا وأن يقدم خير ما في نفسه، وقد أكرمه الله فحماه من الاعتقال والسجن والتعذيب والامتهان. وقد ترددت في الكتابة لأن كثيرين لا يقرأون. والذين يقرأون يحبون أن يقرأوا ما يوافق هواهم، وإذا قرأوا شيئا آخر فليسوا على استعداد للتفكير فيه، وتفهمه والتسامح مع كاتبه".
ويقول محسن العيني في المقابلة التي أجرتها معه قناة الجزيرة بتاريخ 11/1/2003 "ذكرت أكثر من مرة في المقدمة أنني لا أقصد بهذا تاريخاً، لا للثورة اليمنية، ولا للحركة العربية". وفي الحقيقة يبدو لنا أن العيني يفعل هنا ما فعلته مديرة المدرسة التي أرادت أن تنتقد لباس إحدى تلميذاتها قائلة لها: "لا أريد أن أتدخل في طريقة لبسك التي أرى أنها من الأمور الخاصة، لكن اسمحي لي أن ألفت انتباهك إلى أن البنطلون الجينز الذي تلبسينه لا يليق بهذا المقام".
في الصفحات الأولى من الكتاب "يمر العيني مرور الكرام" على طفولته فيروي، في خمس صفحات، مولده في قرية قريبة من صنعاء في أسرة متواضعة بسيطة، وموت أمه وهو في السابعة من عمره، ثم موت أبيه وشقيقه الأكبر، وانتقاله إلى صنعاء حيث تبدأ حياته في دار الأيتام.
وبفضل تفوقه في الدراسة اختير ضمن بعثة تعليمية للدراسة في بيروت. وفي طريق سفرهم إلى هناك مروا بعدن. ويتحدث عن أيام إقامته فيها قائلاً "فوجئنا فور وصولنا بوجود الأستاذين احمد محمد نعمان ومحمد محمود الزبيري زعيمي اليمنيين الأحرار، وقد سبق أن سمعنا عنهما وقرأنا ما يكتبانه شعرا ونثرا، تنديدا بالإمام وحكمه وظلمه ودعوتهما إلى الإصلاح واستنهاض الشعب وإيقاظه. وقد ذهبنا معهما إلى دار السينما للمرة الأولى في حياتنا وشاهدنا فيلم (عنتر وعبلة) ولم ننم بعد ذلك أياما إعجابا وذهولا".
ثم يبدأ محسن العيني في سرد بدايات التمرد على النظام الإمامي ثم تجربة السنوات الأولى للثورة اليمنية ودوره في البحث عن الدعم في الداخل والخارج. كما يرصد المرات العديدة التي عيّن فيها رئيسا للوزراء أو وزيرا للخارجية أو سفيرا. وقد أتاحت له تلك المناصب فرصة أن يرى العالم، ويشاهد تجارب مختلفة، ويلتقي بقيادات عربية وعالمية مثل عبد الناصر والملك فيصل وجواهر لال نهرو وانديرا غاندي وجون كيندي.ويتحدث العيني كذلك عن التركيبة الاجتماعية لليمن ودور القبائل وفقر البلاد، والأمية والقات....
وعلى الرغم من أن (خمسون عاما في الرمال المتحركة) يحفل بكثير من التفاصيل المتنوعة فقد رأى بعض القراء أن مذكرات محسن العيني السياسية لم تحتوي على أسرار أو تفاصيل جديدة حول اليمن، وأن أهميتها الرئيسة تكمن في أنها تقدم تاريخ الثورة اليمنية من خلال رؤية معينة. وقد ردّ محسن العيني على محاوريه خالد حروب وعلي محسن حميد أنه قد كتب "مذكراته السياسية" بإيجاز شديد. ويقول (في لقائه بقناة الجزيرة بتاريخ11/1/2003) "فأنا كتبت الكتاب بهذا الروح، أما لو توسعت فكان ممكن ألا ننتهي إلى شيء، ولهذا فكثير من القراء وكثير من الإخوان يلومونني لأنني لم أفصح عن قضايا كثيرة".
لهذا يمكننا القول إن كتاب (خمسون عاما في الرمال المتحركة)، شأنه شأن معظم المذكرات لا يركز على حياة المؤلف الخاصة، فهو رحلة عبر تاريخ اليمن السياسي الحديث بشكل عام، الذي كان للسياسي محسن العيني دور مهم فيه. ومع ذلك، إذا كان العيني قد استطاع أن يسلط الضوء على أهم منعطفات تلك الحقبة التاريخية فهو قد اكتفى بالعرض ولم يحاول في اعتقادي أن يمارس المراجعة التحليلية العميقة والنقدية (بما في ذلك الذاتية) لتجربة اليمن في بناء الدولة الحديثة. لهذا يبدو لي أن كتاب العيني يقترب من الرصد التاريخي للأحداث
د\ محسن عمشوش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق