الثلاثاء، 10 فبراير 2009

"توابع الفتنة الكبري" يحذر من ألوهية الناس

نشرت جريدة البديل في عددها الصادرالثلاثاء 10 فبراير 2009،عرضًا لكتاب"توابع الفتنة الكبرى " الصادر حديثًا عن العين للنشر.
.......
المؤلف: أردت الكشف عن جزء غامض في تاريخ الحوادث التي مرت بالعراق في العصر الأموي، وهي ثورة لم تدرس درسا علميا منظما يبحث عن أسبابها وينظر في الحركات السياسية التي انبعثت منها الثورة في العراق والشام والحجاز".
المؤلف: ألوهية الناس وربوبيتهم إما قولا وإما فعلا، هي أصل كل المصائب والدمار
...............
في رسالة علمية هندية تنشر لأول مرة بعد خمسين عاما من مناقشتها
علي خلفية ما يحدث بين السنة والشيعة في العالمين العربي والإسلامي، يحدثنا الروائي جمال الغيطاني عن أهمية كتاب "توابع الفتنة الكبري.. ثورة المختار الثقفي ثأرا لمقتل الحسين" الصادر مؤخرا عن دار "العين " ويقول "تلك أول دراسة شاملة أطالعها ..تحلل بعمق الظروف التاريخية التي أدت إلي ظهور المختار علي مسرح الأحداث الدامية التي أعقبت استشهاد الحسين عليه السلام ".
ويزيد الغيطاني" ويبدو أن أمور المسلمين تزداد تعقيدا بعد خمسة عشر قرنا من نزول الرسالة، فالفرقة تتسع والدعوات إلي تعميق التقسيم تتزايد بدلاً من الدعوة إلي التقارب وردم الفجوات خاصة بين أهل السنة والشيعة ويوجد من لديه الأسباب لتعميق الهوة"، غير أن العناصر الداخلية الفاعلة في وجهة نظر الغيطاني "تظل أخطر وأقوي خاصة مع الجنوح إلي التطرف وعدم فهم روح العصر وما يجري في العالم".
أما مؤلف الكتاب نفسه فيطرح لنا العبرة المهمة من هذه القصة، ويقول"هي أن ألوهية الناس وربوبيتهم إما قولا وإما فعلا، هي أصل كل المصائب والدمار"، مشيرا إلي قدرة المختار في جمع شمل أهل العراق والكوفة واستخدامهم في تحقيق أغراضه.
والكتاب عبارة عن رسالة دكتوراه، جاء صاحبها الدكتور أبي النصر محمد الخالدي من الهند لمناقشتها بجامعة فؤاد عام 1949، ومن الوهلة الأولي يثير عنوان الكتاب تساؤلين: الأول عن العوامل التي أخرجت مثل هذه الرسالة العلمية المهمة إلي النور بعد مرور أكثر من خمسين عاما علي مناقشتها؟ وثانيها: من يكون المؤلف أبي النصر الخالدي؟.
يجيبنا الغيطاني عن التساؤل الأول في مقدمة أولي ويقول "فاجأني الصديق نائل الشافعي خبير الاتصالات المقيم في الولايات المتحدة ومؤسس موسوعة "المعرفة" الإلكترونية التي يوجد بها الآن جميع الإصدارات التي طبعتها دائرة المعارف العثمانية في حيدر أباد، فاجأني بهذا البحث القيم عن المختار ابن أبي عبيد الثقفي عن ثورته ونتائجها وبالطبع أسبابها".
والتساؤل الثاني يجيب عنه ابن المؤلف نفسه في مقدمة ثانية للكتاب، ويعرض عمر الخالدي، الذي يعمل بمعهد (mit) بالولايات المتحدة، لحياة والده ويقول "كان متخصصا في التاريخ الإسلامي والهندي، ولد عام 1916 بالهند، وكان حبه لهذا التاريخ سببا في أن يطلق عليه أحد معلميه لقب الخالدي، كتشريف له باسم القائد العربي خالد بن الوليد"، ويضيف "وفي عام 1939 احتل أبو النصر مركزه في دار الترجمة بالجامعة العثمانية وتفاني في إنتاج النسخ الاردية من الاعمال الكلاسيكية من كلا اللغتين العربية والانجليزية، وفي عام 1942 تولي منصب مدرس بقسم التاريخ بالجامعة العثمانية حتي تقاعد عام 1976".
وإلي القاهرة جاء الخالدي عام 1946 بعرض من حكومة نظام حيدر أباد لتحسين لغته العربية وإتقانها، وكان الدكتور حسن إبراهيم حسن هو المشرف عليه، ويعتبر الكتاب هو الوحيد للخالدي باللغة العربية، إلي جانب أعمال عدة قدمها بالأردية في موضوعات: التاريخ الإسلامي والعصور الوسطي في الهند والدراسات القرآنية والآداب الإسلامية.
يتحدث ابنه عن فترة إقامته في القاهرة ويقول "كانت بيئة القاهرة الفكرية والأكاديمية في الأربعينيات متألقة بشخصيات مرموقة مثل طه حسين، وخالد محمد خالد، وحسن البنا، وآخرين استغل أبوالنصر وقته لحضور محاضرات هذه الشخصيات اللامعة، كما قام بزيارة بعض الأكاديميين من أمريكا الشمالية مثل دبليو سي سميث وغيره".
وفي مقدمة ثالثة للكتاب يسوق لنا المؤلف أسباب اهتمامه بهذا الموضوع"لأني أردت الكشف عن جزء غامض في تاريخ الحوادث التي مرت بالعراق في العصر الأموي، وهي ثورة لم تدرس درسا علميا منظما يبحث عن أسبابها وينظر في الحركات السياسية التي انبعثت منها الثورة في العراق والشام والحجاز".
يوجه لنا المؤلف الحديث عن شخصية المختار ويقول "لسنا بحاجة إلي تنبيه القارئ إلي أنه كان منافقا في كل ما قال وما فعل، في "إظهاره الحب لآل علي بن أبي طالب، وقد اتخذ من الحسن وسيلة للغني في المال والشرف في المقام".
قدم المؤلف تحليلا لعوامل الثورة الجغرافية والتاريخية والزمنية، وتناول العراق جغرافيا وأنثروبولوجيا وثقافيا ولغويا واجتماعيا، وتحدث عن ما قام قديما من صراع بينه والشام وبين الفرس والروم وبين عرب الحيرة والغساسنة، ثم بحث ما وقع من حوادث بعد وفاة يزيد بن معاوية وما سادها من اضطرابات.
كما تعرض الخالدي للأحوال الاجتماعية والاقتصادية في العراق قبيل الثورة وفي أثنائها، وذكر موقف الاتقياء من الأحزاب السياسية حتي ظهور حركة التوابين الذين مهدوا السبيل لثورة المختار، وتحدث عن أسرة المختار وبيئته وثقافته وعلاقته بابن الزبير وابن الحنفية، كما تحدث عن أعوانه وتعرض لثورته واستيلائه علي الكوفة وموقف أهلها منه وموقف الثائرين ممن قتلوا الحسين وما آل إليه أمرهم في موقعة خاذر.
وانتهي الخالدي للنتائج المباشرة لثورته كمحاولة جعل إمارته علي الكوفة شرعية، وحث بني هاشم له علي الثورة، وموقف العرب من حكومته التي كانت تعني بشئون الموالي وتعطف عليهم، ثم تحدث عن الحرب بين مصعب بن الزبير والمختار.
يقول الخالدي في النتائج العامة التي توصل إليها"أول ما عثرنا عليه من أقوال من عنوا بأمر المختار ما قيل من أنه ادعي النبوة وقال إن الوحي يأتي إليه"، ولكن الخالدي يعود ليقول "ولكن إذا بحثنا في المراجع الأولية لم نجد دليلا يثبت هذا، بل يظهر بوضوح أن متبعيه فسروا أقواله بحسب أهوائهم".
ويوجه لنا المؤلف الحديث في النهاية " قل إذا شئت إن هذه الدراسة شخصية، ولكنني كتبت في غير تردد ما بدا لي بعد البحث والتمحيص"، ثم موجها لنا النصح "بأن التجاوز عن حدود الإسلام هو أصل جميع ما مني به المسلمون من بلاء وشرور"، ويضيف" وهذا هو الداء الذي أفسد أخلاقهم وقواهم العملية والفكرية كما أفسد مدنية الناس وحياتهم الاجتماعية وسياستهم ومعيشتهم"

ليست هناك تعليقات: