صدر حديثًا عن دار العين للنشر بالتعاون مع مشروع كلمة للترجمة كتاب " مبدأ الريبة..آينشتين،هازينبرج،بور" لديفيد لندلي ومن ترجمة نجيب الحصادي.
و"مبدأ الريبة" هو مصطلح استخدمه عالم الفيزياء الشهير" هايزنبرج" في مطلع عام 1927 حيث شكل استدلالا علميا بسيطا وبارعا ومدهشا بالقدر نفسه عندما لم يكن في وسعه أن يزعم معرفة ما قام به. لقد كدّ في البحث عن كلمة مناسبة تعبر عن معناه. في معظم الأحيان، كان يستخدم كلمة ألمانية تسهل ترجمتها إلى "عدم الدقة" [inexa ctness]، وفي موضعين، وبقصد يختلف اختلافا طفيفا، استخدم كلمة "اللاتحددية" [indeterminancy]. غير أنه تحت ضغوط لا تقاوم من أستاذه ومشرفه العلمي نيلز بور [Niels Bohr]، أكره هايزنبرج على إضافة ملحق طرح فيه تعبيرا جديدا على المشهد: الريبة [اللاتيقن]. وهكذا أصبح اكتشاف هايزنبرج يعرف بشكل راسخ بمبدأ الريبةوهو يمثل تتويجا لميكانيكا الكم، التي سبق لها أن أطاحت قبل حلول عام 1927 بالكثير من معتقدات فيزياء القرن التاسع عشر الكلاسيكية.
وعلى الرغم من أن المصطلح ظهر في حقل الفيزياء أولًا ، إلا أنه تم استخدامه في العديد من المجالات الأخرى فقد أصبح عبارة جذابة تصف صعوبة بشرية عامةتجاه تأسيس معرفة لا تشوبها شائبة.
. فحين يقر الصحفيون أن رؤاهم قد تؤثر في القصص التي يعدون تقارير بخصوصها، حين يأسى علماء الأنثروبولوجيا على أن حضورهم يؤثر في سلوك الثقافات التي يقومون بتقصيها، سوف يكون مبدأ هيازنبرج هو الأنسب لوصف ما يشعرون به: الملاحظ يغير الشيء الملاحظ [بالكسر ثم الفتح]. حين يقر منظّرو الأدب أن النص يعرض تنويعة من المعاني، وقفا على مزاج ومحاباة قراء مختلفين، يكون هايزنبرج مختبئا في الوراء: فعل الملاحظة يحدد ما يلاحظ وما لا يلاحظ.
ولا يعتقد لندلي مؤلف الكتاب أن هذا التبني للمصطلح يرجع إلى كون الصحفيين وعلماء الأنثروبولوجيا يتوقون إلى العثور على تبرير علمي مشكوك في أمره لأحكامهم، بل يرجع إلى أن مبدأ الريبة يجعل المعرفة العلمية نفسها أقل ترويعا لغير العلماء، ويقربها من نوع المعرفة الغامضة والمراوغة التي نتشبث بها يوميا."
بيد أن مبدأ الريبة لا يتطلع إلى جعل "الصحافة أو الأنثروبولوجيا أو النقد الأدبي تخصصات علمية، بل يخبرنا أن المعرفة العلمية، مثل فهمنا العادي للعالم اليومي الذي نعيش فيه، يمكن أن تكون عقلانية وعارضة، هادفة وطارئة." إنه لا يجعل التخصصات الأقل علمية أكثر علمية، بل يجعل التخصصات التي بدت لقرون علمية.. أقل علمية مما توهمنا. إنه باختصار مدعاة للمزيد من الاحتراز في إصدار الأحكام.
وفق هذا، لم يعد هناك براح لليقين والإطلاق والجزم، ولم يعد ثمة حق لأحد في أن يزعم أن للحقيقة وجها واحدا أو بأن جهة دون غيرها قد عرفت هذا الوجه.
هناك ملمح آخر يسم عمل ديفيد ليندلي. إنه يعرض شخصيات ملحمة تشكيل نظرية الكم بأسلوب سيكو_سوسيولوجي [نفس_اجتماعي]. هناك عناية بالعواطف والأمزجة والسجايا والأطوار الغريبة، بمشاعر البهجة والحسد والألم والمعاناة، وبقيم المثابرة والجلد والإخلاص والولاء، وبميول التشبث والعناد والاستعلاء والمكابرة. الراهن أن كتاب "الريبة" لا يزعزع ثقتنا في مفاهيم "الكلمة الفصل"، و"الحل النهائي"، و"الحقيقة المطلقة" فحسب، بل يزعزعها في العلماء الكبار، من سلمنا بأنهم قدوة يتأسى بها في الموضوعية والنزاهة والحياد.
و"مبدأ الريبة" هو مصطلح استخدمه عالم الفيزياء الشهير" هايزنبرج" في مطلع عام 1927 حيث شكل استدلالا علميا بسيطا وبارعا ومدهشا بالقدر نفسه عندما لم يكن في وسعه أن يزعم معرفة ما قام به. لقد كدّ في البحث عن كلمة مناسبة تعبر عن معناه. في معظم الأحيان، كان يستخدم كلمة ألمانية تسهل ترجمتها إلى "عدم الدقة" [inexa ctness]، وفي موضعين، وبقصد يختلف اختلافا طفيفا، استخدم كلمة "اللاتحددية" [indeterminancy]. غير أنه تحت ضغوط لا تقاوم من أستاذه ومشرفه العلمي نيلز بور [Niels Bohr]، أكره هايزنبرج على إضافة ملحق طرح فيه تعبيرا جديدا على المشهد: الريبة [اللاتيقن]. وهكذا أصبح اكتشاف هايزنبرج يعرف بشكل راسخ بمبدأ الريبةوهو يمثل تتويجا لميكانيكا الكم، التي سبق لها أن أطاحت قبل حلول عام 1927 بالكثير من معتقدات فيزياء القرن التاسع عشر الكلاسيكية.
وعلى الرغم من أن المصطلح ظهر في حقل الفيزياء أولًا ، إلا أنه تم استخدامه في العديد من المجالات الأخرى فقد أصبح عبارة جذابة تصف صعوبة بشرية عامةتجاه تأسيس معرفة لا تشوبها شائبة.
. فحين يقر الصحفيون أن رؤاهم قد تؤثر في القصص التي يعدون تقارير بخصوصها، حين يأسى علماء الأنثروبولوجيا على أن حضورهم يؤثر في سلوك الثقافات التي يقومون بتقصيها، سوف يكون مبدأ هيازنبرج هو الأنسب لوصف ما يشعرون به: الملاحظ يغير الشيء الملاحظ [بالكسر ثم الفتح]. حين يقر منظّرو الأدب أن النص يعرض تنويعة من المعاني، وقفا على مزاج ومحاباة قراء مختلفين، يكون هايزنبرج مختبئا في الوراء: فعل الملاحظة يحدد ما يلاحظ وما لا يلاحظ.
ولا يعتقد لندلي مؤلف الكتاب أن هذا التبني للمصطلح يرجع إلى كون الصحفيين وعلماء الأنثروبولوجيا يتوقون إلى العثور على تبرير علمي مشكوك في أمره لأحكامهم، بل يرجع إلى أن مبدأ الريبة يجعل المعرفة العلمية نفسها أقل ترويعا لغير العلماء، ويقربها من نوع المعرفة الغامضة والمراوغة التي نتشبث بها يوميا."
بيد أن مبدأ الريبة لا يتطلع إلى جعل "الصحافة أو الأنثروبولوجيا أو النقد الأدبي تخصصات علمية، بل يخبرنا أن المعرفة العلمية، مثل فهمنا العادي للعالم اليومي الذي نعيش فيه، يمكن أن تكون عقلانية وعارضة، هادفة وطارئة." إنه لا يجعل التخصصات الأقل علمية أكثر علمية، بل يجعل التخصصات التي بدت لقرون علمية.. أقل علمية مما توهمنا. إنه باختصار مدعاة للمزيد من الاحتراز في إصدار الأحكام.
وفق هذا، لم يعد هناك براح لليقين والإطلاق والجزم، ولم يعد ثمة حق لأحد في أن يزعم أن للحقيقة وجها واحدا أو بأن جهة دون غيرها قد عرفت هذا الوجه.
هناك ملمح آخر يسم عمل ديفيد ليندلي. إنه يعرض شخصيات ملحمة تشكيل نظرية الكم بأسلوب سيكو_سوسيولوجي [نفس_اجتماعي]. هناك عناية بالعواطف والأمزجة والسجايا والأطوار الغريبة، بمشاعر البهجة والحسد والألم والمعاناة، وبقيم المثابرة والجلد والإخلاص والولاء، وبميول التشبث والعناد والاستعلاء والمكابرة. الراهن أن كتاب "الريبة" لا يزعزع ثقتنا في مفاهيم "الكلمة الفصل"، و"الحل النهائي"، و"الحقيقة المطلقة" فحسب، بل يزعزعها في العلماء الكبار، من سلمنا بأنهم قدوة يتأسى بها في الموضوعية والنزاهة والحياد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق