الثلاثاء، 7 أبريل 2009

مقدمة كتاب"احترس .. مصر ترجع إلى الخلف"

قارئي العزيز.. تحية طيبة.. وحشتني.. رغم لقاءاتي الدائمة بك على صفحات الجرائد وفي الندوات العامة أو حتى في محاضراتي..المهم وحشتني والسلام.. وبالمناسبة أهدى كتابي الجديد إليك.. لأنك صاحب الحق الأول والدائم في الاطلاع على ما أكتب.. وصاحب الحق "كمان" في قراءة كلمة مخلصة يحاول صاحبها جهده ما استطاع كشف وتحليل ما يمكن أن يغمض علينا فيما يجري لنا وما يحدث حولنا في مصرنا..!
مصرنا التي دائمًا ما كانت تتغنى بها "أمي" أمامي وأنا طفل صغير في مقاطع شعرية مازلت أذكر بعضًا من كلماتها تقول.. (مصر العزيزة لي وطن.. وهي الحمى وهي السكن..).. ترى لو عاشت"أمي" ليومنا هذا ورأت ما نراه من لخبطة وأحست بما نحسه من تشتت داخل الوطن وشمت ما نشمه من فساد في الحمى والسكن.. فساد نعرف جميعًا أوله ولا ندري آخره.. أكانت سوف تردد نفس المقاطع الشعرية في حب الوطن؟!.. أظن أنها كانت ستفعلها وتردد نفس المقاطع وتحاول معنا.. كما نحاول جميعًا أن تعود مصر وطنًا للجميع وحمى وسكنًا لكل من يعيش تحت سمائها..!
قارئي العزيز.. كتابي هذا يبدو تتمة لما بدأته في كتابي السابق" مصر المفروسة" محاولة لرصد وتحليل ما يموج به بطن الشارع المصري من سلوكيات طفت على وجه الحياة المصرية وكنا نظن أننا أبعد الناس عنها.. وتعليقات على أحداث وقرارات وأقوال حكوماتنا.. المتعاقبة علينا بلا سبب واضح لمجيئها أو لرحيلها.. وتسجيل ما يردده العامة قبل الخاصة عن أحوالنا وهم يضعون أيديهم على قلوبهم منتظرين مصيرًا لنا جميعًا لا يتفاءل الكثيرون به..رغم أننا لا نملك رفاهية عدم التفاؤل.. فالتشاؤم عملة ليس لها رصيد وإن بدا في أحيان كثيرة ضرورة للفت الانتباه وأخذ الاحتياطات لمواجهة الفساد والقصور البيّن في محاربته حتى لا يودي بنا جميعًا ويوردنا مورد التهلكة..!
ولا أخفي عليك قارئي العزيز فأحداث الشارع المصري متلاحقة ومتباينة ولا تنتهي.. أثبتُّ منها ما تبين فيه وجه الفساد جليًا واضحًا وما لا يتطرق إليه الشك من أنه "ضحك على الدقون".. وتركت قضايا فساد جد عظيمة لكنها ما زالت حتى الانتهاء من كتابي هذا أمام القضاء..ومع ما تركته من ظواهر وأحداث خفت من الاسترسال في رصد ما رصدته ومتابعة ما تبعته من الظواهر التي يموج بها الشارع وأربكت عقولنا حتى لا يثقل بها الكتاب نتيجة الاسترسال فيها ويؤول أمره إلى ما يشبه سفينة "نوح" لتخمتها وتنوع ما عليها والحاجة إلى إنقاذهم..كما خشيت جدًا أن يصبح الكتاب موسوعة لأوجاعنا ينوء بقراءتها أولو العزم من قرائنا..فاكتفيت بأن يكون دفتر أحوال مصريًا خفيف الظل في عرضه لقضايانا.. ورغم ما فيه من رصد على البارد لمفاسد جرت في حياتنا مجرى الدم في عروقنا وسلوكيات يبدو في الظاهر أننا نرفضها لكننا لسبب أو لآخر نفعلها.. أظن سوف يسعد القارئ بعرضها بأسلوب لا يخلو من سخرية وفكاهة تساعدنا على تقبل عيوبنا وتصلح ما يمكننا إصلاحه.. وما أتعس ألا يهدي إلينا أحدهم عيوب أنفسنا..!
وحاولت جهد المستطاع في كتابي هذا لملمة ما دونته ونشرته يومًا، وما وضعته خصيصًا لهذا الكتاب.. شارحًا ومبينًا وناقدًا للعديد من ظواهر حياتنا التي تقلقنا جميعًا، وإن تخوف البعض قائلاً:إننا اكتفينا بالقلق ونسينا الفعل حتى نبدد به قلقنا.. وحين جمعت ما دونت وما كتبته خصيصًا لك قارئي العزيز وللكتاب الذي استقبلته بين يديك الكريمتين الآن.. أحسست كأن كتابي هذا "جمل الغجر" جمع وحوى كل ما يمكن جمعه واحتواؤه فوق ظهره من ظواهر سوف يراها البعض غير مترابطة.. لكنها تشد بعضها بعضًا.. ولو أطلنا البال قليلاً.. وأمعنا القراءة طويلاً فيما حواه الكتاب من ظواهر مصرية خالصة متباينة.. فسنجد أنه لا توجد ظاهرة نحياها تسبب فيها عامل واحد.. وإنما تتضافر فيها عديد من العوامل والأسباب لتنتج لنا مجتمعًا متماسكًا من الفساد يشدنا للرجوع والتقهقر إلى الخلف..حتى ما بدا أنني كتبته بعيدًا عن ظواهر الحياة المصرية وما تموج به، لو أمعنا النظر فيه سنرى أنه يساهم بشكل أو بآخر في تعقد ما نحن فيه.. ونسأل الله العفو والعافية لتحمل ما يجري باسم التقدم والتنمية وتشجيع الاستثمار وتعمير الصحراء بالمدن الجديدة والديمقراطية الآتية على متن البوارج..!
ويظل أنقى وأجمل ما في ظاهرة الفساد- أي والله أجمل- أنها تتجلى في عدة صور أمامنا يستحيل إخفاؤها.. ولو أحضرنا "طاقية الإخفاء" من قبرها القديم ما استطعنا حجب آثار الفساد ولا حتى رائحته التي تزكم الأنوف وتشرد الملايين..كما أننا لا نحتاج في بحثنا عن الفساد إلى الرجوع لملفات البعض ممن أصبحوا "غصب عنا" من كبراء قومنا.. فقراءة الواقع والتمعن في مناصبهم وثرواتهم التي تنامت في ظل مناصبهم، وفي ظل فقر مدقع رفرف بجناحيه علينا غالبية شعب المحروسة.. تدلنا إلى أين وصل بنا الفساد وبرك على أنفاسنا وبلا رحمة..!
من هنا سجلت ما رأيته من فساد وما عشته وما زلت أعيش فيه وكأنني أنبه وبأعلى صوت " احترس..مصر ترجع إلى الخلف"..ترجع عن كل منجزاتها ومكاسبها بقوة فساد ثلاثية.. لذا ندعوكم للوقوف دقيقة حدادًا وترحمًا على من قضى أمرهم وضاعت أرواحهم الطاهرة بسبب الفساد في البر وفي البحر.. ولنلتفت ونحترس لما يدبر لنا وفي وضح النهار.. ومن
لا يلتفت ويحترس فسوف يتركهم يعيثون فينا فسادًا، ونصبح عبرة لمن لم يعتبر॥ فأرجو أن نحترس ونقرأ ونعتبر حتى لا نصبح عبرة.. وحتى لا يكون ما نحياه ومكرهين عليه مقدمة بلا مؤخرة تحاسب من يستأهل المحاسبة وتعوضنا عن سنوات الهوان والفساد..!

...
مقدمة كتاب "مصر ترجع إلى الخلف"
لد.محمود عطية
وقد وردت تحت عنوان"مقدمة بلا مؤخرة"
الكتاب يصدر قريبًا عن دار العين للنشر

ليست هناك تعليقات: