الخميس، 16 أبريل 2009

عناية جابر تكتب عن مدينة عزت القمحاوي


في جريدة السفير اللبنانية كتبت عناية جابر عرضًا ونقدًا عن رواية " مدينة اللذة" لعزت القمحاوي والصادرة عن دار العين للنشر.والتالي هو نص المقال
....
«مدينة اللذة» للروائي المصري عزت القمحاوي، صادرة عن «دار العين» المصرية في طبعة ثانية. تليق بهذا الكتاب طبعات ثالثة ورابعة ليتسنى لعديد القرّاء، خوض ديانات في اللذة، يجمعها القمحاوي في كتابه هنا، ويصالحها مع نفسها. اللذة كمصداق للقوة في تعدّد وجوهها ومعانيها الدوّارة خارج التحديد، فهنا الدعوة والإغواء يحاوران الرتابة والفقر والنتيجة حياة حافلة بالالتباسات، بل هي رواية تُدين كل شيء من خلال مباركة كل شيء.
هكذا نقع عند القمحاوي على معنى اللذة في مصالحتها الأرض والسماء، مزاوجة تقرب الخيال وتذهب في كل اتجاه وليست بعيدة عن الضرب في مسالك الشك والعدم.
«مدينة اللذة» في توريات وكنايات هي في الوقت ذاته افتضاح لها وإشارة إلى حقيقتها. نماذج من الجمال الشكلي، عمّرها الكاتب ثم هدمها بالشك والسخرية والافتضاح: «تأمّل هذه القصور الكبيرة، فقد ترى خفّتها القديمة» أو «بعضهم يقول إن الآلهة لبثت تتأمل مخلوقاتها التي تمارس اللذة بعنف صامت كالأفاعي، حتى أصابها الضجر، فأقامت اللسان لتعلّمهم لذّة الصوت، صفيراً وإعراباً بدلاً من التسافد الصامت».
من اليأس تأتي هذه الكتابة. كل لذة يجب أن تؤخذ ضمن حدود اللحظة. كل جمال في حقيقته سراب وكل إيماءة غير مُدرك سحرها. كأن لا تكون لذة في الأساس، وبرغم ذلك يفتح لنا الكاتب الأبواب، فتكون الغواني والغلمان، القصور والأمراء والعبيد، ومفاتيح كثيرة لأبواب لذائذ مخبأة نتنصّت عليها، متأملين في الخواء الذي هو حقيقتها، سيرتها الأولى والأخيرة، ولأن الجسد والروح لا يواصل أحدهما العيش في حياة الآخر.
لغة سائلة، رشيقة متفننة. جملة القمحاوي تتوّجه شجاعة الى الأشكال، دواخلها وطيّاتها فتبدو الكتابة قافلة أقانيم أساسية، أكثر منها حروفاً. أي ان الكتابة مفتوحة وحاضنة لمواضيعها وتتكلّم بقداسة عن مواضيع ليست بالضرورة مُقدّسة. وثمة بالتأكيد، شجن الكتابة الخاص، في تلك المشاهد التي على فخامتها، تنهار لأنها معلّقة في فضاءات زائفة دون سند وهي على كل حال لعبة توازن الحياة القلقة. كل فصل في الكتاب في مناخه الجامع، حكاية قائمة بذاتها وإن تعدّدت في مواضعها وحركاتها. إنها المدينة الميتة وإن أحيتها اللذّة، ويبقى فيها ظل هذا الموت الذي يذهب بكل اللذائذ، يعاقبها لأن «الكلّ» في اللذة ليسوا سواسية.
معادلة تكاد أن تكون بلا منفذ أو خلاص. معادلة في قلب الشرط الجذاب والموحي والفاتن، لأن رسالتها جمال السرد رغم صمته ونفيه الضمني لجوهر اللذة الحقيقي الذي لا يصل، لكن التحولات واختلاف الدلالات الأسلوبية عند القمحاوي لا تنفك عنه، وتدلّ عليه.

ليست هناك تعليقات: