الأربعاء، 14 يناير 2009

د.أبو الليل يدافع عن ست الحسن والجمال

لم تكن ندوة مناقشة كتاب " المرأة والحدوتة " لد.خالد أبو الليل والتي نظمتها جماعة المرأة والذاكرة يوم 4 يناير 2009؛ مناقشة عادية يتم فيها سرد أجزاء من الكتاب واطراء من المناقشين للمؤلف . ولكنها كانت أشبه بمعركة وجهت فيها د.نادية الخولي رئيسة قسم اللغة اللغة الانجليزية في جامعة القاهرة سهام النقد إلى د. أبو الليل الذي صمد أمام أسئلتها واختلافاتها مما أثرى الندوة .


بدأت د.نادية بأن ذكرت صفات الحدوتة الشعبية كما ذكرها د.أبو الليل في كتابه وهي

1_ تحرص على البدايات التقليدية ( وحد الله _ كان ياما كان فيه _ صلوا عالنبي كان فيه .. ) . وهي تهدف إلى جذب المتلقي باشتراكه في الحديث بأن يطلب منه أن يوحد الله أو يصلي على النبي ، أو تطلب منه العودة بعقله إلى زمان ومكان بعيدين عن الواقع .

2_ تحتفي بالعبارات الايقاعية الجاهزة مثل " دخلت بِنَيَّة وخرجت بنية .. ما عرفت باابن السلطان تضحك علي " أو " البيت بيت أبونا والغرب يطردونا.
3_ تكرار الحدث ثلاث مرات ، والاحتفاء بأعداد معينة مثل " سبعة أو أربعين " . فالملك ينجب ثلاثة من الذكور يفشل اثنان بينما ينجح الثالث ، وهذه المرأة تواجه أربعين من اللصوص .

4 _ الشخصيات فيها موزعة بين الإنسان والحيوان والجماد والجان ومواطن الأحداث فيها بين الأرضي وتحت الأرضي وبين البر والبحر ، وزمانها غير محسوس ، وأحداثها تبدو كما لو كانت غير منطقية ، مما وجه إليها نقد بأنها " خيالية وغير غنية بالمغزى ، ولا يسودها نظام ، وإنما هي فيما تبدو خلط لا شكل له ولا بنية " ، وهنا يرد " جوتة مدافعاً عنها بأنها " هي بعينها الحكمة ، وإذا كنا نحن لا نعرف مصدر هذه الحكمة ، فإن هذا لا يرجع إلى بلاهة في الحكاية الخرافية ، وإنما يرجع إلى احساسنا البليد " .
وهذا النقد السابق الموجه للحدوتة يمكن أن يوجهه شخص لا ينتمي إلى جمهور الحواديت ( كالدارسين مثلا ) ، ولكن الأمر يختلف تماماً بالنسبة لجمهورها الأساسي ، هذا الجمهور الذي يتوحد تماماً مع عالم الحواديت ، كالأطفال مثلاً .

5_ تنطلق الحدوتة من الواقع حيث الاستقرار ، ثم تتطور الأحداث وتتعقد ، ويصاحب هذا التطور والتعقيد ، البعد عن الواقع ، الأمر الذي يفتح المجال لإعمال الخيال والاعتماد على الاحداث المختلقة والادوات الخارقة ، وذلك بهدف تحقيق الوظيفة الأساس . وهي العودة للواقع \ الاستقرار مرة أخرى .

6_ تتسم الحدوتة بانها عبارة عن أجزاء رخوة ( تسمح باندراج أفعال قصصية ثانوية في سياقها تتوالد باستمرار ، وتغذي الامكانات السردية للحكاية الإطارية " فالحدوتة تتألف من مجموة مقطاع سردية ( حكايات قصيرة ) قابلة للنتقال من حدوتة إلى اخرى ، كما انها قابلة للاستقلال عن الحدوتة الأم .

7_ إن شخصيات الحدوتة موزعة بين الخيرة والشريرة ، ولا وجود لهذه الشخصيات إل امن حيث علاقتها ( الايجابية او السلبية ) بالبطل . والبطل فيها مسلوب الإرادة ، خاضع لقوى خارجية تحدد مصيره ، وتساعده للوصول للنجاح .
8_ إن الحواديت تسعي منذ البداية للوصول للنهاية السعيدة .

9_ تحتفي الحواديت بصيغ الختام التقليدية ، مثل ( وتوتة توتة فرغت الحدوتة .. ولوما الطاقية المشروطة كنت جبت لكم شوية مخروطة ) . واحتفاء الحواديت بصيغتي الافتتاح والختام ، يميزها عن غيرها من الأنواع الأدبية الشعبية الاخرى .
10_ أكثر رواة الحواديت من النساء ، وهو الأمر الذي سبق وأكده رواة الأدب الشعبي .

11_ تتطلب هذه الحواديت جمهوراً معيناً ، وقد توفر هذا الجمهور في عالم الأطفال .

12_ أما بالنسبة للوقت الذي تروى فيه الحدوتة ، فهو اكثر ارتباطاً بوقت الليل ( ما قبل النوم ) .

13_ وظائف الحدوتة الأساسية هي ( المحاكاة والتسلية والتعليم ).
اتخذت الندوة شكل السؤال والجواب، مما جعلها فرصة لفهم الموضوع واحدة واحدة ،ولتفصيص آراء د.أبو الليل.
كان أول أسئلة د.نادية الخولي عن معيار اختيار الحواديت التي احتواها الكتاب وكان رد د.خالد أبو الليل أنه لا توجد معايير في الحواديت المختارة لأنه كان مهتم أكثر بضم الكتاب مجموعة كبيرة من الحواديت ، تظهرها على حقيقتها ، بدلًَا من محاولة تنقيحها لتظهر في صورة معينة فغرضه الأول بالأساس أن تصيب في القراء الانطباع الطبيعي لها وليس كما يجول في ذهن المؤلف.
فأبو الليل أراد أن ينقل الإبداع البسيط .
ثم استفسرت د.الخولي عن اختصاص النساء برواية الحواديت ، وأجاب د.أبو الليل أنه على الرغم من أن الرجال يملكون وقت قراغ أكثر من النساء، ولكنهم يعفون عن روايتها وذلك انطلاقا من منحى ديني أولًا، يعتبر فيه الحواديت من قبيل الخرافات والتي لا يصحها الدين ، وهناك منحى آخر متعلق بأن الحواديت للأطفال فقط لا تليق بمقامهم لأنها تمتلىء بالأحداث الغير معقولة والتي يرونها تستهين بعقول الكبار.
وعند هذه النقطة فتحت د.الخولي الباب للجمهور للإجابة عن سؤال طرحته متعلق بالحواديت التي أثرت في وجدانهم وهم صغار ليعلق عليها د.أبو الليل .
وكان هناك شبه اجماع من الحضور على حكاية"ست الحسن والجمال" واختلاف كبير حول قيمتها التعليمية للأطفال .
فرواها د.أبو الليل باختصار ، وهي أن ست الحسن والجمال عندما كانت تسير في الشارع كانت تعامل الكائنات معاملة حسنة، وعندما ألقت تحية الصباح على أبوقردان بأسلوب رقيق قال لها "ربنا يجعل بياضي في وشك ولا يجعله في عينيكي" ، ثم قابلت الغراب و ألقت عليه السلام فقال لها" ربنا يجعل سوادي في عينك ولا يجعله في وشك" وفعلًا عندما رجعت للمنزل كان دعاء الكائنين تحقق. وعلى العكس منها حدث لأختها . وكان من رأي د.أبو الليل أنها تعلم الطفل كيف يتعامل بطريقة رقيقة مع كل الكائنات الموجودة في الكون ما يعقل منها وما لا يعقل.
اعترضت احدى الحضور على هذا الكلام وقالت أن هذه القصة كانت مفزعة بالنسبة لها، حيث عندما كانت جدتها ترويها لها كانت تصف ست الحسن بأوصاف حسية جميلة لا تمتلكها المتحدثة مثل أن لها شعر أصفر طويل وأنها شاهقة البياض ، لدرجة أن المتحدثة اعتقدت أن الله يعاقبها على سمار بشرتها وأنها قبيحة ولا رجاء فيها.
كما أنها اعتبرتها شخصية منافقة، ففي تعاملها مع الغولة كانت تنافقها بحيث تضع بيديها حفنة من الأرز ثم تلتقط حشرات الغولة و"تمثل" أنها تأكلها بينما هي تأكل حبات "الأرز" ثم تقول لها " حشراتك حلوة قوي يا أمنا الغولة" . كما تنافقها وتخبرها أنها جميلة ..الخ
وكان الرد عليها من "دعاء صالح" باحثة في التراث وقالت بأن الموروث الشعبي استخدم الألفاظ الحسية للتعبير عن صلاح الإنسان ؛سببه أن الجمهور الذي يتلقى؛ ليس لديه القدرة على تمييز الصفات العليا ولذا فإن الراوية تضطر لاستخدام الصفات التي يسهل على الطفل حين يسمعها ادراك هل هذه الصفة مسيئة للإنسان أم جميلة له بالتبسيط الذي يناسب الأطفال. إذن لاضير من استخدام هذه الصفات الحسية.
كما أن الحدوتة لا تمدح هنا"النفاق "الذي حصل من جانب ست الحسن والجمال لصالح الغولة ولكنها تمدح "الذكاء في كيفية التصرف في الورطة" لأنها لو كانت تمدح النفاق لوصفت ست الحسن والجمال من البداية أنها شخصية متسلقة ولوضعت في موقف تريد فيه الحصول على مكاسب ليست من حقها بخداع من يسدي اليها جميلا ومن له سلطة عليها . ولكنها هنا لم تكن تريد أن تكسب شيئًا جديدًا وكل ما أرادته الخروج من مأزق خطف الغولة، كما أن الغولة هنا كائن شرير خطف ست الحسن ولم يكن يسدي إليها جميلا.
كما أن حكمة الحدوتة هي أن الإنسان يستطيع التعايش بسلام مع أقبح الكائنات ومع أكثرها ضررًا بالتعامل الحسن والأخلاق الرفيعة والذوق والاحترام .
واتفق معهاد.خالد ، الذي كرس وت الندوة المتبقي للإجابة حول سؤال د.نادية الهام جدًا وهو عن النماذج النسائية التي ظهرت في الحواديت الشعبية .. كم نسبة الحواديت التي أظهرتها في صورة مشرفة بالنسبة للحواديت التي أظهرتها في صورة مسيئة تحط من قدرها.
أجاب د.أبو الليل بأن الحواديت انتصرت لعدد من قضايا المرأة منها جرية المرأة في التعبير عن رأيها ومنها عدم التمييز بينا وبين اخوتها الذكور ومنها رجاحة عقل المرأة وأن ذكائها لا يقل عن الرجل في شيىء.
وذكر عددًا من النماذج منها شهرزاد ، والعديد من السيدات اللواتي ظهرن في قصة "أبو زيد الهلالي" مثل خضرة الشريفة والجازية، وأضاف بأن بعض البلدان تطلق على قصة الهلالي قصة "الجازية" بحيث تجعلها البطل الرئيسي وهذا تقديرًا لدورها .
كما أن "॥" كان لها ثلث الرأي ، والثلث الآخر لوالدها الملك ، والأخير لأبو زيد الهلالي ، أي أنها عوملت بالمساواة معهم।مما يدل على أن الحدوتة الشعبية لا تنتقص من حق المرأة.

وفي نهاية الندوة طلبت د.الخولي من د.أبو الليل أن يقص على الحضور احدى الحواديت ، ولكنه رفض وفضل أن يروي " مثل". وعلل ذلك بأنه أولًا الحضور من النساء والرجال الراشدين لن يكون مناسبًا له سماع حدوتة ، وهو بهذا يشير إلى معلومة ذكرها في كتابه تفيد بأن جمهور الحدوتة الرئيسي هو الأطفال حيث تمتلىء الحدوتة بالأحداث غير الواقعية. كما أن الحدوتة هي فن تبدع فيه السيدات أكثر من الرجال كما أن السياق العام لشكل الندوة لا يحتمل رواية حدوتة لأنها ستكون مفتعلة لا يهدف فيها الراوي لإمتاع الجمهور وتسليته وهو يفضل أن لا يجرح هذا الشرط من شروطها. اقتنعت الخولي بكلام أبو الليل وتركت له المجال ليروي مثلًا وهو الفن الذي يذكر المثل وقصته ، كما أنه يناسب الجمهور العاقل البالغ ويناسبه كرجل حيث يختص الرجال بهذا الفن في الوقت الذي تختص فيه السيدات بفن الحدوتة.

ليست هناك تعليقات: