هيكل في مقدمة كتاب سلامة الجديد: الصحافة التي أحببناها معاً تتعرض لتهديد ثنائي الخطر من الداخل والخارج
نعيش في ليل طويل كل السائرين فيه ينتظرون شعاعاً من الضوء لا يضيق بومضاته غير القراصنة الصغار لكي يتسللوا تحت خفائه
اعتزازك المهني إلي جانب حياء إنساني أحبه فيك يقيدان قلمك فيما يتعلق بنفسك فاكتب يا صديقي وانشر وتكلم ودع الأمواج تتكسر
....
كتب: المحرر الثقافي
حصلت «البديل» علي رسالة وجهها الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل إلي الكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة بمناسبة بدء صدور سلسلة كتب جديدة لسلامة تحت عنوان «من قريب» تتضمن أبرز الأعمدة الصحفية التي يكتبها في صحيفة «الأهرام» تحت هذا العنوان خلال السنوات الماضية، الجزء الأول من الكتب يصدر غداً عن دار العين للنشر بمناسبة معرض الكتاب ومن المقرر إصدار بقية أجزاء السلسلة «تباعاً في ستة أجزاء» الجزء الأول يصدر بعنوان: «الصحافة فوق صفيح ساخن» ومن المقرر إصدار الجزء الثاني قريباً تحت عنوان: «الحريات السياسية وصدق الإنسان» فيما تقرر أن يتضمن الجزء الثالث أعمدة الأستاذ سلامة التي عالجت قضايا بيئية.
وعلي الرغم من أن رسالة هيكل تظهر في الكتاب الأول كمقدمة له فإن الكاتب الكبير رفض النظر إليها وفق هذا التعبير الدارج وفضل النظر إليها كـ «رسالة» إلي زميل وصديق يعتز بصداقته ويأتي نشر هذه الرسالة ليعيد الاعتبار إلي «أدب الرسائل» إذ تتضمن فضلاً عن الجانب الذاتي فيها مساحة كبيرة للتأملات الموضوعية بشأن واقع الصحافة المصرية وهنا نص الرسالة كما أوردها الأستاذ.
عزيزي الأستاذ «سلامة أحمد سلامة»
إنك تفضلت وأرسلت لي المسودة المطبوعة لكتابك الجديد «الصحافة فوق صفيح ساخن»، راغباً بطريقتك الرقيقة وأسلوبك الراقي أن أكتب مقدمة له، وكان أول ما خطر لي حتي قبل مطالعة الصفحات أن شيئاً تكتبه لا يحتاج إلي مقدمة تمهد له، لكني وقد عرفتك عن قرب وسعدت بزمالتك سنوات طويلة ـ قدرت أن نزاهتك واستقامتك الفكرية واعتزازك المهني، إلي جانب حياء إنساني أحبه فيك وأحترمه ـ كل ذلك ـ كله علي بعضه ـ كما يقولون ـ يفرض عليك نوعاً من الإباء والكبرياء يقيد قلمك فيما يتعلق بنفسك، ويمسك لسانك فيما يتصل بقيمتك، وتلك صفات الرجال الكبار الذين أصبح وجودهم نادراً في زمان امتلأ بالفراغ وتعمق في السطحية ـ علي حد تعبير صديقنا الكبير «كامل الشناوي»!
دعني أقل لك ـ في خطاب موجه إليك ـ وليس مقدمة لكتاب ـ إنني استمتعت بما قرأت، وظني أنه جاء في وقته موضحاً لقضية شغلتني كما شغلتك، وقد كتبت أنت عنها لأنك مازلت في الساحة الصحفية ـ وأما أنا فقد انصرفت عنها أتابع من بعيد، وكذلك فإني أستطيع أن أحس بهمومك ربما بأكثر قليلاً، مما يمكن أن يحس بها آخرون، فهذه المهنة التي أحببناها معاً تتعرض لتهديد ثنائي الخطر: من الداخل بسبب أحوالها الراهنة، ومن الخارج بسبب أحوال تكنولوجيا جاءت بها أزمنة جديدة.
إن كتابك عن «الصحافة فوق صفيح ساخن»، يعكس أسلوبك المستغني عن الإلحاح، فهي لمحات تعرض نفسها علي الناس، وتقوم بمهمتها في التنوير علي طريقة الفنار في اتساع البحر وعمقه، صرح يقوم شامخاً في قلب جزيرة من الصخر، وهو يدور علي ما حوله بومضات من ضوء نافذ إلي بعيد يهدي السائرين في الظلمات، والفنار بالطبيعة لا يثقل علي الباحثين عن شعاعه، وإنما هو يتحرك علي دائرة كاملة، محتفظاً بموقفه ثابتاً لا يتغير، وهو ماض في حركته بنظام وثبات، وحتي إن ضربت الأمواج صخوره فهو مستمر في أداء دوره لا يتوقف ولا ينحرف.
دعني ـ يا صديقي العزيز ـ أؤكد لك أن كل السائرين في هذا الليل الطويل ينتظرون الشعاع، لا يضيق بومضاته غير القراصنة الصغار، فهم يفضلون البحر ظلاماً دامساً معتماً، لكي يتسللوا تحت خفائه، كما يفعل هؤلاء الذين نسمع عنهم من قراصنة البؤس علي سواحل الصومال.
اكتب ـ يا صديقي ـ وانشر وتكلم، ودع الأمواج تتكسر علي الصخر، ودع ومضات النور تلمع علي سطح البحر في كل اتجاه، وتنير كل بقعة تصل إليها، وأما الأمواج فليس في مقدورها غير أن تغسل الصخور كل مساء، وترتد عنها كل صباح.
سلمت ـ يا صديقي ـ وسلم عطاؤك نوراً وتنويراً.
الصفحة الرئيسية،ص5
21 يناير 2009
نعيش في ليل طويل كل السائرين فيه ينتظرون شعاعاً من الضوء لا يضيق بومضاته غير القراصنة الصغار لكي يتسللوا تحت خفائه
اعتزازك المهني إلي جانب حياء إنساني أحبه فيك يقيدان قلمك فيما يتعلق بنفسك فاكتب يا صديقي وانشر وتكلم ودع الأمواج تتكسر
....
كتب: المحرر الثقافي
حصلت «البديل» علي رسالة وجهها الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل إلي الكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة بمناسبة بدء صدور سلسلة كتب جديدة لسلامة تحت عنوان «من قريب» تتضمن أبرز الأعمدة الصحفية التي يكتبها في صحيفة «الأهرام» تحت هذا العنوان خلال السنوات الماضية، الجزء الأول من الكتب يصدر غداً عن دار العين للنشر بمناسبة معرض الكتاب ومن المقرر إصدار بقية أجزاء السلسلة «تباعاً في ستة أجزاء» الجزء الأول يصدر بعنوان: «الصحافة فوق صفيح ساخن» ومن المقرر إصدار الجزء الثاني قريباً تحت عنوان: «الحريات السياسية وصدق الإنسان» فيما تقرر أن يتضمن الجزء الثالث أعمدة الأستاذ سلامة التي عالجت قضايا بيئية.
وعلي الرغم من أن رسالة هيكل تظهر في الكتاب الأول كمقدمة له فإن الكاتب الكبير رفض النظر إليها وفق هذا التعبير الدارج وفضل النظر إليها كـ «رسالة» إلي زميل وصديق يعتز بصداقته ويأتي نشر هذه الرسالة ليعيد الاعتبار إلي «أدب الرسائل» إذ تتضمن فضلاً عن الجانب الذاتي فيها مساحة كبيرة للتأملات الموضوعية بشأن واقع الصحافة المصرية وهنا نص الرسالة كما أوردها الأستاذ.
عزيزي الأستاذ «سلامة أحمد سلامة»
إنك تفضلت وأرسلت لي المسودة المطبوعة لكتابك الجديد «الصحافة فوق صفيح ساخن»، راغباً بطريقتك الرقيقة وأسلوبك الراقي أن أكتب مقدمة له، وكان أول ما خطر لي حتي قبل مطالعة الصفحات أن شيئاً تكتبه لا يحتاج إلي مقدمة تمهد له، لكني وقد عرفتك عن قرب وسعدت بزمالتك سنوات طويلة ـ قدرت أن نزاهتك واستقامتك الفكرية واعتزازك المهني، إلي جانب حياء إنساني أحبه فيك وأحترمه ـ كل ذلك ـ كله علي بعضه ـ كما يقولون ـ يفرض عليك نوعاً من الإباء والكبرياء يقيد قلمك فيما يتعلق بنفسك، ويمسك لسانك فيما يتصل بقيمتك، وتلك صفات الرجال الكبار الذين أصبح وجودهم نادراً في زمان امتلأ بالفراغ وتعمق في السطحية ـ علي حد تعبير صديقنا الكبير «كامل الشناوي»!
دعني أقل لك ـ في خطاب موجه إليك ـ وليس مقدمة لكتاب ـ إنني استمتعت بما قرأت، وظني أنه جاء في وقته موضحاً لقضية شغلتني كما شغلتك، وقد كتبت أنت عنها لأنك مازلت في الساحة الصحفية ـ وأما أنا فقد انصرفت عنها أتابع من بعيد، وكذلك فإني أستطيع أن أحس بهمومك ربما بأكثر قليلاً، مما يمكن أن يحس بها آخرون، فهذه المهنة التي أحببناها معاً تتعرض لتهديد ثنائي الخطر: من الداخل بسبب أحوالها الراهنة، ومن الخارج بسبب أحوال تكنولوجيا جاءت بها أزمنة جديدة.
إن كتابك عن «الصحافة فوق صفيح ساخن»، يعكس أسلوبك المستغني عن الإلحاح، فهي لمحات تعرض نفسها علي الناس، وتقوم بمهمتها في التنوير علي طريقة الفنار في اتساع البحر وعمقه، صرح يقوم شامخاً في قلب جزيرة من الصخر، وهو يدور علي ما حوله بومضات من ضوء نافذ إلي بعيد يهدي السائرين في الظلمات، والفنار بالطبيعة لا يثقل علي الباحثين عن شعاعه، وإنما هو يتحرك علي دائرة كاملة، محتفظاً بموقفه ثابتاً لا يتغير، وهو ماض في حركته بنظام وثبات، وحتي إن ضربت الأمواج صخوره فهو مستمر في أداء دوره لا يتوقف ولا ينحرف.
دعني ـ يا صديقي العزيز ـ أؤكد لك أن كل السائرين في هذا الليل الطويل ينتظرون الشعاع، لا يضيق بومضاته غير القراصنة الصغار، فهم يفضلون البحر ظلاماً دامساً معتماً، لكي يتسللوا تحت خفائه، كما يفعل هؤلاء الذين نسمع عنهم من قراصنة البؤس علي سواحل الصومال.
اكتب ـ يا صديقي ـ وانشر وتكلم، ودع الأمواج تتكسر علي الصخر، ودع ومضات النور تلمع علي سطح البحر في كل اتجاه، وتنير كل بقعة تصل إليها، وأما الأمواج فليس في مقدورها غير أن تغسل الصخور كل مساء، وترتد عنها كل صباح.
سلمت ـ يا صديقي ـ وسلم عطاؤك نوراً وتنويراً.
محمد حسنين هيكل
جريدة البديل المصريةالصفحة الرئيسية،ص5
21 يناير 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق