بتزكية من الروائي الكبير صنع الله ابراهيم ،وجدت الرواية طريقها إلى دار النشر ، هكذا أخبرتنا د.فاطمة البودي عن كيفية نشر رواية "شديد البرودة ليلاً" لوجدي الكومي ، وذلك في آخر ندوات دار العين لعام 2008 .
قدم الروائي والناقد طارق إمام قراءة نقدية للرواية تميزت بتقديم تحليلات للشخصيات الأساسية فيها ، كما وضع يده على تناصاتها مع بعض التيمات في النص الثقافي العالمي المعاصر .
يقول طارق عن الرواية "هي بالنسبة إلى عالم جديد ،حيث قرأتها مرتين ، الأولي على أنها رواية ، والثانية لشاب من هذا الجيل ، يحلق فكره حول حرب الخليج الثانية . ورغم أنني لا أحاول ربط العمل بكاتبه ولكن هناك أعمال تفرض على تساؤلات حول ماهية هذا الكاتب . وعندما قرأت السيرة الذاتية للكومي اكتشفت أن مثل هذه المعلومات قد تكون مفيدة أحياناً في قراءة العمل .
هناك مفارقة بين طبيعة الأحداث التي تناولتها الرواية ، وبين الكاتب نفسه الذي لم بعاصر هذه الفترة . وقد يقول البعض وما المشكلة في ذلك فهناك نوع من الروايات يسمى الرواية التاريخية . ولكن الفرق أنه يمكن استيعاب أن يكتب أحدهم عن الحرب العالمية الأولى لبعد الحدث الزمني نسبياً عن وقت الكتابة ، ولكن أن تكتب رواية عن لحظة تاريخية بهذا القرب فهذا شيء غريب لأن الكتاب الذين عاصروها لم يموتوا بعد ، ولأن عمر الكاتب وقت حدوث هذه الحرب هو 10 سنوات فقط .
السارد هنا يتحدث عن طريق ضمير ال" الأنا " وهي مفاجئة لي حيث معتاد من الرواية التاريخية أن تكلمني بضمير الغائب . فضمير الأنا يقربك من الكاتب وهي مخاطرة أحسست بوجودها .
ويضيف إمام " أن الحرب نفسها داخل العمل أصبحت أشبه بصورة . حيث حول الإعلام الواقع الذي نعيشه إلى واقع افتراضي . ومن هذا المنطلق توجد صورة الحرب في الرواية ".
ويشير إلى حالة التدفق المعلوتاتي حيث كان هناك حرص من الكومي على ذكر أنواع الأسلحة وما الذي يحدث عندما تقع القنبلة على مدينة إلى آخر هذه المعلومات المرتبطة شكلاً ومضموناً بحالة الحرب . وهي تفاصيل بذل فيها جهد بخلاف الجهد الإبداعي .
ويكمل إمام " أصبحت أمام سارد تفاصيل مع واقعة . مع صورة الحرب بما يمليه عليه الواقع الافتراضي . أنت تظن لوهلة أن هذا السارد موجود في الخيال أكثر منه داخل الحرب . حيث مناطق الخطر في الحرب موجودة بمنطق قريب من السارد ولكن هناك ايحاء بأن أذىً لن يصيب أي حد . كأننا داخل صورة كارتونية .فهو لا يتحدث عن احتمالات موته بل لا يأتي على ذكر هذا الموضوع تماماً ، على الرغم من أنه احتمال بديهي جداً في رواية تتخذ الحرب ستاراً لها . إنه لا يبدو منفعلاً بفظاعات الحرب ، هناك حالة انسجام مع العنف الذي ليس مقلقلاُ له بالمرة . بل على العكس يستخلص منها مجموعة مقولات قد تبدو "مقحمة " مثل وصف حاله بعد الخروج من الحرب "رأسي لم يعد مؤهلا كما قال الطبيب بعد الحرب لاستيعاب كم الأكاذيب الموجودة بالعالم" بهذا التفلسف وهذه الرؤية الفوقية .
من بداية الرواية ينتابك احساس بأن السارد مشوش ، لتتأكد بعد فترة أنه "ذهاني " حتي شخوص الرواية وعالمها نفسه يصيبك احساس بأنهم يتحركون داخل رأس الراوي فقط التي لم تعد مؤهلة لاخماد الأكاذيب . إنها تتحرك بقوانينيه الداخلية وحسب مزاجه الشخصي " .
أما عن الشخصيات الرئيسية في الرواية وهم "جايل _ الوسيم _ غازي _ ليلي _ الحاجة نعيمة " والذين تتحقق على أيديهم الخطوط الأساسية فيبدي عليهم إمام ملاحظة أنهم " مختزلين في وظائفهم ، فنحن لا نعرف أي شيء عن تاريخ أياً منهم ، عن سياقاته النفسية ، عن مزاجه العام ، عن تصرفه في المواقف المختلفة هل هو مقدم أم مجحم ، جبان أم شجاع ، متردد أم حاسم ، الشخصيات هنا مسطحة بلا أعماق تاريخية ، بلا أعماق ملموسة تجعلنا نضع أيدينا على مواضع قوتهم وضعفهم ، بحيث نتوقع لهم أفعالاً معينة أو اختيارات بعينها " .
كما أن هناك ملحوظة أخرى خاصة بالتغريب في الأسماء مثل "الوسيم " أو " الحاجة نعيمة المغربية " ، وأعتقد أن فكرة الاسم مرتبطة برؤية الكاتب لشخصياته ، فغازي مثلا هو تمثيل معمم للشخصية النفطية ،حيث يقدم سماتها المتعارف عليه مثل " سطحي _ مترف _ يميل إلي الشذوذ في تصرفتها .. " وهكذا . إنه لا يقدم سمات خاصة بغازي بل يجمع فيه سمات مجتمع بأكمله .
وأيضاً يتم اختزال صوفيا مثلاً في دور القوادة .أما "الوسيم " فهو أقرب إلى الوظيفة منه إلى الاسم ، فهو مختصر جداً في دوره كرجل "وسيم " يدير شبكة للدعارة . حتي " ليلى " لا نعرف عنها سوى أنها أخته التي يقدمها لغازي بكل ممنونية ويرضى عليها أن تكون داعرة ، وإذا كانت علاقة السارد بأخته بمثل هذا الشذوذ فلنا أن نتوقع كيف هو مشوش هذا السارد . حيث يبرر تقديم أخته لغازي بكل بساطة بمنطق غريب أغرب من الحادثة نفسها حيث يقول " لأن منزلا لا يحوى سوى أخ وأخت لا يمكن أن يستمر " وهو مبرر يفتقد لكل معقولية إلا إذا تم وضعه في سياق منطق السارد وحده .
وهذا يحيل إلى نقطة جديدة هل الراوي هنا يمثل صوت الجماعة أم صوت فرد فقط . انه يسرد ويكشف عورات هذا المجتمع العربي ، فهو يبدو منسجم تماماً مع صوت الوعي الجمعي في آراءه الجماعية ناحية بعض القيم أو بعض الأنماط من الشخصيات أو تجاه شعوب بعينها . ولكن في نفس الوقت فإنه يستطيع أن يكون غير منبت وغير منتمي لبعض الأفعال التي يذمها المجتمع مثل "زنا المحارم " التي أدار لها ظهره بلا مبالاة .
وهذا الانقسام الذي قُدم به الراوي يبدو ملائماً جداً نحو انقسامه تجاه الوجود الذي لا تستطيع رده لا لصوت فردي ولا لصوت جمعي .
وفي نفس السياق فإن شخصية جايل من الشخصيات التي تبرز جداً في هذه الرواية ، وهي شخصية مضيئة جداً وفي قراءة أخرى للنص فهي البطل الرئيسي له . فهو شخص له سمات اطلاقية جداً ومع استمرار الأحداث نكتشف أن جايل شخصية غير موجودة ، فهناك نقطة تحول في السرد ، توضح لنا هذه النقطة . فحتي دلالة اسمه التي توحي بفكرة المجايلة وبالارتباط باالراوي تؤكد لنا هذا المعنى . وهناك جملة مركزية عنده وهي "حانت قيامته " التي تتكرر كلما تقابل جايل مع الراوي بالعديد من التنويعات ، وبدءاً من هذا الجزء تتغير علاقة الراوي بجايل، ويتم فتح أفق من الاحتمالات فيمكننا توقع أنه الراوي نفسه ،ويدعم من هذا التوقع أن الراوي بدلاً من أن يغلق باب الاحتمالات في نهاية الرواية فإنه يفتحح على اتساعه . ويقول " أنا جايل ، أنا غازي،أنا .... " ليؤكد أن هذه حكاية في ذهنه فقط الذي لانعرف أي شيى عن تاريخه وعن تحولاته .فأنا مثلاُ سألت نفسي هل كان الراوي قبل الحرب منتمي لجماعة الإخوان المسلمين أم لا ؟! .وهذا ما يجعل تأويلات شخصية الراوي مفتوحة على اتساعها حسب اتساع خيال كل قارىء .
...
كما يشير طارق إلى نقطة هامة جداً في الراوية وهي " أنه نص تستطيع وأنت تقرأه أن تستدعي تناصات مع النص الثقافي ومع المجتمع . فصوفيا مثلاً وهي صورة جديدة _تخص الرواية أقصد _ ولكننا نجد لها تناصات كثيرة سواء مع قوادة "منزل الجميلات النائمات "لكواباتا أو قوادة " ذاكرة عاهراتي الحزانى " لماركيز والتي هي الأخرى تناص على كواباتا . فكرة القوادة التي تمتلك فندقاً أو بيتاً وتستقطب إليها البنات صغار السن تعطيهم منوماً وتستمر في لعبتها حتى يصبحن تحت طوعها . نعم هذه الشخصية دخلت في سياقات أخرى عند الكومي ، ولكنها لا تستطيع أن تفلت من أسر هذا التناص .
أيضاً هناك تناص آخر متعلق بعلاقة الراوي بجايل ، وهذا التناص مع رواية تشاك بولانيك المشهورة " نادي القتال " ،وذلك في أوجه عديدة منها شخصية الراوي الذي يمشي بكدماته في الشارع ويحاول اخفاءها ،وطبيعة علاقته بالآخر وهكذا . كما يتضح أيضاً هذا التناص في بعض الأجزاء السردية في الرواية مثل الحرص على تحليل وتفصيص الأدوات التي تستخدم في الحرب ،هذا الأداء السردي التحليلي لمجموعة الجمادات موجودة في نادي القتال . بالإضافة إلى الاعتناء بوجود عدد من الجمل تكون هي مفتاح العلاقة بين الراوي وجايل .
وينتقل إمام للحديث عن كيفية بناء الزمن في رواية الكومي ،حيث يتم ايهامنا في البداية أنها قائمة على ما يحدث الآن ثم لا يلبث أن يستخدم تقنية الفلاش باك أو الاسترجاع ،الذي ليس بالضرورة أن يكون الفاصل بينه وبين ما يحدث الآن سنوات عديدة ، ولكنه قد يكون يوم واحد أو حتى ساعة واحدة . فكل فصل يبدأ من آخر نقطة تحدث الآن ، ثم يبدأ ذهن الراوي في التداعي ،وهنا يأتي بشكل ذكي جداً حيث لا تكاد تلاحظ الفروق الزمنية ، بل هناك نوع من التماهي بينها ، فقدرته على الاحساس بالزمن تكاد تكون معدومة أو مشوشة .
وهذا التماهي آتٍ من يقين عند الكاتب بأن ما يحدث الآن يوازي في القيمة ما قد حدث بالفعل . ولا ينطبق هذا المنطق في تعامله مع الزمن فقط ، بل يتعداه للمكان أيضاً ، فطريقة تحركه الجرافيكية بين المطارات المختلفة والعديد من البلدان بهذه السهولة أمر غير طبيعي خاصة في مثل حالته هو الخائف المذعور من أن يتم فضحه .
هذا كله يحلينا إلى شخصية مشوشة مكانياً وزمنياً .
........
قدم الروائي والناقد طارق إمام قراءة نقدية للرواية تميزت بتقديم تحليلات للشخصيات الأساسية فيها ، كما وضع يده على تناصاتها مع بعض التيمات في النص الثقافي العالمي المعاصر .
يقول طارق عن الرواية "هي بالنسبة إلى عالم جديد ،حيث قرأتها مرتين ، الأولي على أنها رواية ، والثانية لشاب من هذا الجيل ، يحلق فكره حول حرب الخليج الثانية . ورغم أنني لا أحاول ربط العمل بكاتبه ولكن هناك أعمال تفرض على تساؤلات حول ماهية هذا الكاتب . وعندما قرأت السيرة الذاتية للكومي اكتشفت أن مثل هذه المعلومات قد تكون مفيدة أحياناً في قراءة العمل .
هناك مفارقة بين طبيعة الأحداث التي تناولتها الرواية ، وبين الكاتب نفسه الذي لم بعاصر هذه الفترة . وقد يقول البعض وما المشكلة في ذلك فهناك نوع من الروايات يسمى الرواية التاريخية . ولكن الفرق أنه يمكن استيعاب أن يكتب أحدهم عن الحرب العالمية الأولى لبعد الحدث الزمني نسبياً عن وقت الكتابة ، ولكن أن تكتب رواية عن لحظة تاريخية بهذا القرب فهذا شيء غريب لأن الكتاب الذين عاصروها لم يموتوا بعد ، ولأن عمر الكاتب وقت حدوث هذه الحرب هو 10 سنوات فقط .
السارد هنا يتحدث عن طريق ضمير ال" الأنا " وهي مفاجئة لي حيث معتاد من الرواية التاريخية أن تكلمني بضمير الغائب . فضمير الأنا يقربك من الكاتب وهي مخاطرة أحسست بوجودها .
ويضيف إمام " أن الحرب نفسها داخل العمل أصبحت أشبه بصورة . حيث حول الإعلام الواقع الذي نعيشه إلى واقع افتراضي . ومن هذا المنطلق توجد صورة الحرب في الرواية ".
ويشير إلى حالة التدفق المعلوتاتي حيث كان هناك حرص من الكومي على ذكر أنواع الأسلحة وما الذي يحدث عندما تقع القنبلة على مدينة إلى آخر هذه المعلومات المرتبطة شكلاً ومضموناً بحالة الحرب . وهي تفاصيل بذل فيها جهد بخلاف الجهد الإبداعي .
ويكمل إمام " أصبحت أمام سارد تفاصيل مع واقعة . مع صورة الحرب بما يمليه عليه الواقع الافتراضي . أنت تظن لوهلة أن هذا السارد موجود في الخيال أكثر منه داخل الحرب . حيث مناطق الخطر في الحرب موجودة بمنطق قريب من السارد ولكن هناك ايحاء بأن أذىً لن يصيب أي حد . كأننا داخل صورة كارتونية .فهو لا يتحدث عن احتمالات موته بل لا يأتي على ذكر هذا الموضوع تماماً ، على الرغم من أنه احتمال بديهي جداً في رواية تتخذ الحرب ستاراً لها . إنه لا يبدو منفعلاً بفظاعات الحرب ، هناك حالة انسجام مع العنف الذي ليس مقلقلاُ له بالمرة . بل على العكس يستخلص منها مجموعة مقولات قد تبدو "مقحمة " مثل وصف حاله بعد الخروج من الحرب "رأسي لم يعد مؤهلا كما قال الطبيب بعد الحرب لاستيعاب كم الأكاذيب الموجودة بالعالم" بهذا التفلسف وهذه الرؤية الفوقية .
من بداية الرواية ينتابك احساس بأن السارد مشوش ، لتتأكد بعد فترة أنه "ذهاني " حتي شخوص الرواية وعالمها نفسه يصيبك احساس بأنهم يتحركون داخل رأس الراوي فقط التي لم تعد مؤهلة لاخماد الأكاذيب . إنها تتحرك بقوانينيه الداخلية وحسب مزاجه الشخصي " .
أما عن الشخصيات الرئيسية في الرواية وهم "جايل _ الوسيم _ غازي _ ليلي _ الحاجة نعيمة " والذين تتحقق على أيديهم الخطوط الأساسية فيبدي عليهم إمام ملاحظة أنهم " مختزلين في وظائفهم ، فنحن لا نعرف أي شيء عن تاريخ أياً منهم ، عن سياقاته النفسية ، عن مزاجه العام ، عن تصرفه في المواقف المختلفة هل هو مقدم أم مجحم ، جبان أم شجاع ، متردد أم حاسم ، الشخصيات هنا مسطحة بلا أعماق تاريخية ، بلا أعماق ملموسة تجعلنا نضع أيدينا على مواضع قوتهم وضعفهم ، بحيث نتوقع لهم أفعالاً معينة أو اختيارات بعينها " .
كما أن هناك ملحوظة أخرى خاصة بالتغريب في الأسماء مثل "الوسيم " أو " الحاجة نعيمة المغربية " ، وأعتقد أن فكرة الاسم مرتبطة برؤية الكاتب لشخصياته ، فغازي مثلا هو تمثيل معمم للشخصية النفطية ،حيث يقدم سماتها المتعارف عليه مثل " سطحي _ مترف _ يميل إلي الشذوذ في تصرفتها .. " وهكذا . إنه لا يقدم سمات خاصة بغازي بل يجمع فيه سمات مجتمع بأكمله .
وأيضاً يتم اختزال صوفيا مثلاً في دور القوادة .أما "الوسيم " فهو أقرب إلى الوظيفة منه إلى الاسم ، فهو مختصر جداً في دوره كرجل "وسيم " يدير شبكة للدعارة . حتي " ليلى " لا نعرف عنها سوى أنها أخته التي يقدمها لغازي بكل ممنونية ويرضى عليها أن تكون داعرة ، وإذا كانت علاقة السارد بأخته بمثل هذا الشذوذ فلنا أن نتوقع كيف هو مشوش هذا السارد . حيث يبرر تقديم أخته لغازي بكل بساطة بمنطق غريب أغرب من الحادثة نفسها حيث يقول " لأن منزلا لا يحوى سوى أخ وأخت لا يمكن أن يستمر " وهو مبرر يفتقد لكل معقولية إلا إذا تم وضعه في سياق منطق السارد وحده .
وهذا يحيل إلى نقطة جديدة هل الراوي هنا يمثل صوت الجماعة أم صوت فرد فقط . انه يسرد ويكشف عورات هذا المجتمع العربي ، فهو يبدو منسجم تماماً مع صوت الوعي الجمعي في آراءه الجماعية ناحية بعض القيم أو بعض الأنماط من الشخصيات أو تجاه شعوب بعينها . ولكن في نفس الوقت فإنه يستطيع أن يكون غير منبت وغير منتمي لبعض الأفعال التي يذمها المجتمع مثل "زنا المحارم " التي أدار لها ظهره بلا مبالاة .
وهذا الانقسام الذي قُدم به الراوي يبدو ملائماً جداً نحو انقسامه تجاه الوجود الذي لا تستطيع رده لا لصوت فردي ولا لصوت جمعي .
وفي نفس السياق فإن شخصية جايل من الشخصيات التي تبرز جداً في هذه الرواية ، وهي شخصية مضيئة جداً وفي قراءة أخرى للنص فهي البطل الرئيسي له . فهو شخص له سمات اطلاقية جداً ومع استمرار الأحداث نكتشف أن جايل شخصية غير موجودة ، فهناك نقطة تحول في السرد ، توضح لنا هذه النقطة . فحتي دلالة اسمه التي توحي بفكرة المجايلة وبالارتباط باالراوي تؤكد لنا هذا المعنى . وهناك جملة مركزية عنده وهي "حانت قيامته " التي تتكرر كلما تقابل جايل مع الراوي بالعديد من التنويعات ، وبدءاً من هذا الجزء تتغير علاقة الراوي بجايل، ويتم فتح أفق من الاحتمالات فيمكننا توقع أنه الراوي نفسه ،ويدعم من هذا التوقع أن الراوي بدلاً من أن يغلق باب الاحتمالات في نهاية الرواية فإنه يفتحح على اتساعه . ويقول " أنا جايل ، أنا غازي،أنا .... " ليؤكد أن هذه حكاية في ذهنه فقط الذي لانعرف أي شيى عن تاريخه وعن تحولاته .فأنا مثلاُ سألت نفسي هل كان الراوي قبل الحرب منتمي لجماعة الإخوان المسلمين أم لا ؟! .وهذا ما يجعل تأويلات شخصية الراوي مفتوحة على اتساعها حسب اتساع خيال كل قارىء .
...
كما يشير طارق إلى نقطة هامة جداً في الراوية وهي " أنه نص تستطيع وأنت تقرأه أن تستدعي تناصات مع النص الثقافي ومع المجتمع . فصوفيا مثلاً وهي صورة جديدة _تخص الرواية أقصد _ ولكننا نجد لها تناصات كثيرة سواء مع قوادة "منزل الجميلات النائمات "لكواباتا أو قوادة " ذاكرة عاهراتي الحزانى " لماركيز والتي هي الأخرى تناص على كواباتا . فكرة القوادة التي تمتلك فندقاً أو بيتاً وتستقطب إليها البنات صغار السن تعطيهم منوماً وتستمر في لعبتها حتى يصبحن تحت طوعها . نعم هذه الشخصية دخلت في سياقات أخرى عند الكومي ، ولكنها لا تستطيع أن تفلت من أسر هذا التناص .
أيضاً هناك تناص آخر متعلق بعلاقة الراوي بجايل ، وهذا التناص مع رواية تشاك بولانيك المشهورة " نادي القتال " ،وذلك في أوجه عديدة منها شخصية الراوي الذي يمشي بكدماته في الشارع ويحاول اخفاءها ،وطبيعة علاقته بالآخر وهكذا . كما يتضح أيضاً هذا التناص في بعض الأجزاء السردية في الرواية مثل الحرص على تحليل وتفصيص الأدوات التي تستخدم في الحرب ،هذا الأداء السردي التحليلي لمجموعة الجمادات موجودة في نادي القتال . بالإضافة إلى الاعتناء بوجود عدد من الجمل تكون هي مفتاح العلاقة بين الراوي وجايل .
وينتقل إمام للحديث عن كيفية بناء الزمن في رواية الكومي ،حيث يتم ايهامنا في البداية أنها قائمة على ما يحدث الآن ثم لا يلبث أن يستخدم تقنية الفلاش باك أو الاسترجاع ،الذي ليس بالضرورة أن يكون الفاصل بينه وبين ما يحدث الآن سنوات عديدة ، ولكنه قد يكون يوم واحد أو حتى ساعة واحدة . فكل فصل يبدأ من آخر نقطة تحدث الآن ، ثم يبدأ ذهن الراوي في التداعي ،وهنا يأتي بشكل ذكي جداً حيث لا تكاد تلاحظ الفروق الزمنية ، بل هناك نوع من التماهي بينها ، فقدرته على الاحساس بالزمن تكاد تكون معدومة أو مشوشة .
وهذا التماهي آتٍ من يقين عند الكاتب بأن ما يحدث الآن يوازي في القيمة ما قد حدث بالفعل . ولا ينطبق هذا المنطق في تعامله مع الزمن فقط ، بل يتعداه للمكان أيضاً ، فطريقة تحركه الجرافيكية بين المطارات المختلفة والعديد من البلدان بهذه السهولة أمر غير طبيعي خاصة في مثل حالته هو الخائف المذعور من أن يتم فضحه .
هذا كله يحلينا إلى شخصية مشوشة مكانياً وزمنياً .
........
أما الناقد الكبير سيد الوكيل فيتكلم عن الطابع " الكوزموبوليتاني " في الرواية " فهناك تنقل كبير بين الأماكن والأحداث مثل حرب الخليج وغيرها ، والراوي واعي جداً بهذه الأحداث كأنه كان داخلها .
يقول الوكيل " هناك لعبة جميلة تتم داخل الرواية بمعنى أن الكومي لا يشتغل على نوع من المحاكاة للواقعة ولا حتى كنوع من التسجيل للحدث ،مثل تعامل كبار الكتاب مع الأحداث الضخمة . ولكن مهارة وجدي مكنته من التحليق فوق هذه الأحداث .
هذا الجموح التخييلي ، وعدم التزامه بحرفية الواقع أو معطياته أعطي الإحساس بأننا أمام واقع افتراضي . فأنا مثلاً رأيت حرب الخليج الثانية من خلال الجرافيك أو كما نقلتها لنا السينما عن طريق بعض الأفلام مثل " ليلة سقوط بغداد " .
وعن التناص في الرواية يقول الوكيل أنه ملمح هام جداً ، والتناص عموماً أصبح مهم جداً في الرواية ما بعد الحداثية حيث يتم استبدال التأليف به . وهذه الفكرة تقول أن العالم موجود ومركب وما نظنه واقع هو صورة للواقع فكل حدث تتناوله الفضائيات ؛ وكأن الميديا هي التي تملي على الناس صورة الواقع الذي لابد لهم أن يعيشوا فيه .
ويضيف الوكيل أن الحدث الذي اختاره الكومي وهو حرب الخليج الثانية حدث مهم جداً في التاريخ الحديث حتى أن أحد كبار المهتمين بموضوع نهاية التاريخ وهو " فوكوياما " قد عده الحدث الأول في سلسلة انتهاء العالم .
كما أكد الوكيل على فكرة التماهي في الرواية فرغم أن الكومي انطلق من حدث تاريخي ،ولكنه لم يكن سجيناً لهذا الحدث ،وهو ملمح ينسحب على كل الرواية ، فهناك انتقالات كثيرة بين الأماكن على فترات زمنية متعددة .
هذا التماهي يؤكد على ارتباك الهوية عند الراوي ،وهذا السؤال _ أي سؤال الهوية _ هو سؤال حاضر في الرواية منذ بدايتها .
كما تحدث الوكيل عن مشكلة عند الكومي متعلقة بثقته في القارىء. فلعبة مثل علاقة الراوي بجايل _وهي لعبة ممتعة _ لم يتركها لي لأتخيلها كما أريد ، بل إنه سطا على فكري وأخبرني بالقوة أنهما شخص واحد .
وهكذا يستكثر على القارىء دوره في المشاركة ،وهي من نوع المشاكل التي تحل بالخبرة وبالثقة المتبادلة بينه وبين الكاتب .
وأشار الوكيل إلى أن الشخصيات كلها تعيش في عالم سردي وكأنه واقع افتراضي ويحدث بينها نوع من التماهي وهذا هو الاشتغال الذي يبين أن للرواية نفس متميز .
فمثلا حدث لي التباس حيث ظننت في البداية أن ليلى هي عشيقة الراوي وبعدها عرفت أنها أخته لذا قررت أن ألعب معه وأن أدخل ال"Game"معه .
وتكلم الوكيل عن أن تحدي الرواية الأول هو كيفية توزيع الامكانات السردية فيها ،وأشار إلى أن وجدي لم يصمد أمام هذا التحدي حيث شعر بأن نفسه يقل مع استمرار الأحداث .
وفي مداخلة لأحمد الشافعي قال بأن وجدي قام بعدة مخاطرات من وجهة نظره في هذه الرواية وهي أولا : تناول هذا الحدث أصلاُ وهي مخاطرة لأنه من أكثر الحروب توثيقاً وحدث من فترة قريبة ، واختياره لهذا النوع من الأحداث يخرجه من اتفاق جماعي عن ما الذي يجب أن تتناوله الرواية هنا في القاهرة في وسط البلد .
وثانياً : مخاطرة الترميز ، فاسم مثل ليلى بكل دلالاته الكلاسيكية لم يكن له داعٍ أبدأً لأنه هنا زائد. وإلى حد كبير عبء على هذه الرواية .
وثالثاً أنه أحس ببعض التزيد في النقطة الخاصة بضم الرواية لعدد من الأشخاص من دول عربية مختلفة مثل المغرب والكويت ومصر ،يتواطؤون في أفعال داعرة ، فتشعر بذلك أنه أراد رسم خريطة عربية موازية .
وأكد الشافعي على أن الرواية مليئة بالتناصات ، فعلاقة الراوي بأخته تحمل تناصًا مع قصة "شفيقة ومتولي" ولكن بالعكس .
وفي رد على سؤال أحد الحضور عن سبب اختباره لاسم الرواية أجاب الكومي بأن عنوان الرواية لابد أن يكون معبراً عن العمل حيث يعتبر من أهم عتبات النص . وعندما حان وقت اختياري للاسم شعرت بحاجتي لاختيار واحدة من العبارات التي تجدها أمامك طول الوقت أو "عبارة اكليشيه " يتم تداولها بسهولة وبنفس الوقت يكون معبراً عن حالة صعبة عن الواقع المرير . وأضاف بأن أفضل شيء يعبر عن العمل هو مناخ الأحاسيس الداخلية سواء من الفتيات اللواتي تم اجبارهن على البغاء أو الراوي المشوش لذا فقد فرض نفسه بالقوة اسم "شديد البرودة ليلاً " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق